من سينتخب الرئيس العراقي.. الخليج أو تركيا أو “إسرائيل”؟
من سينتخب الرئيس العراقي … تراهن “إسرائيل” على مستقبل الصراع العراقي الداخلي بتفاعلاته الإقليمية التي ترى فيها فرصتها الذهبية لجرّ العراق إلى التطبيع.
يستعدّ البرلمان العراقي لانتخاب رئيسٍ للجمهورية في السابع من الشهر الجاري، والذي يجب أن يكون كردياً وفق العرف السياسي المتبع الذي أقرّه بول بريمر؛ حاكم العراق بعد الاحتلال الأميركي في آذار/مارس 2003. هذا العرف جعل المرحوم جلال طالباني أول رئيس كردي للعراق، بعد أن اتفق مع منافسه التقليدي الحزب الديمقراطي الكردستاني على أن تكون رئاسة الإقليم من حصة مسعود البرزاني، وهو ما يفسّر انتخاب فؤاد معصوم، ثم الرئيس الحالي برهم صالح، رئيساً للعراق، وهما من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة طالباني.
وبغيابه، يعتقد آل البرزاني أنهم يستطيعون أن يسيطروا على الساحة الكردية عراقياً، ولاحقاً إيرانياً وسورياً، ثم تركياً، وهو ما يعني نهاية التوافق التكتيكي بين حزب الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، بعد أن رشح وزير الخارجية والمالية الأسبق هوشيار زيباري نفسه لمنصب الرئاسة كمنافس لبرهم صالح، الذي يعاني حزبه الاتحاد الوطني الكردستاني مشاكل وصراعات داخلية انعكست سلباً على تراجع أصواته في الانتخابات البرلمانية، إذ فاز بـ17 مقعداً مقابل 31 للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة عائلة البرزاني، ومنهم الزعيم التقليدي مسعود البرزاني، ورئيس إقليم كردستان العراقي ناتشيروان برزاني، ورئيس وزراء الإقليم مسرور برزاني، وهو نجل مسعود.
يأتي ذلك في الوقت الذي يبدو الرئيس برهم صالح أكثر حظاً من الوزير هوشيار، والفضل في ذلك يعود إلى سمعة الرئيس الراحل جلال طالباني المحبوب من جميع الأطراف العراقية، شيعة كانت أو سنة، بسبب شخصيته المرنة والمثقفة التي ساهمت إلى حد كبير في معالجة العديد من المشاكل العراقية، الداخلية منها والخارجية، وأهمها تحقيق التوازن في علاقات العراق مع إيران وسوريا وتركيا.
وكان طالباني في مقدمة الرافضين للتدخل في سوريا مع بدايات “الربيع العربي”، مؤكداً صمود الدولة السورية ورئيسها بشار الأسد، وهو ما قاله للرئيس الأميركي أوباما في بداية العام 2012.
ولبرهم صالح علاقات جيدة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني عبدالله، بعد أن بادر، إلى الاتصال هاتفياً بالرئيس الأسد في 15 تموز/يوليو العام الماضي، وكان أول زعيم دولة عربية يفعل ذلك، فيما يتعرض هوشيار زيباري لحملة واسعة تتهمه بقضايا فساد خطرة تتحدث وسائل الإعلام الكردية وشبكات التواصل الاجتماعي عن تفاصيلها وتفاصيل قضايا فساد مماثلة تورط بها آل البرزاني عموماً، ومن بينهم هوشيار.
لا يعني ذلك أنّ الأمور ستكون بهذه السهولة بالنسبة إلى برهم صالح، لأنّ الواقع العراقي بات أكثر تعقيداً بعد نتائج الانتخابات البرلمانية التي خرج منها مقتدى الصدر الرجل الأكثر حظاً، بعد أن حصلت كتلته على 73 مقعداً (من أصل 329)، مقابل 37 مقعداً لتحالف “تقدم” بزعامة محمد الحلبوسي، الذي تم انتخابه رئيساً للبرلمان في جلسة شهدت العديد من المهاترات، وتعرض خلالها رئيس السن محمود المشهداني للضرب من أتباع الصدر الذين حضروا جلسة البرلمان بأكفانهم، بعد أن استلم المشهداني الطلب الذي تقدّم به “الإطار التنسيقي” الذي يضم أحزاباً شيعية غير كتلة الصدر، لتثبيتها الكتلة الأكبر، لأنها تضم 88 نائباً.
البرلمان الذي انتخب محمد الحلبوسي، والذي يجب أن يكون بالضرورة من السنة، رئيساً له، سيعقد اجتماعه الأول في السابع من الشهر الجاري لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، مع استمرار الاتصالات المكثفة بين كل الأطراف السياسية التي تستعد معاً للخطوة التالية، وهي الاتفاق على تسمية رئيس الوزراء الذي يجب أن يكون من الشيعة.
وجاء الاجتماع الذي عُقد في 31 كانون الثاني/يناير الماضي بين رئيس مجلس النواب الحلبوسي ورئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني ورئيس تحالف “السيادة” خميس الخنجر مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في هذا الإطار.
وكتب الصدر بعد هذا الاجتماع: “أوقفوا الإرهاب والعنف ضد الشركاء، فما زلنا مع تشكيل حكومة أغلبية وطنية”، في إشارة منه إلى القصف الذي استهدف السفارة والقاعدة الأميركية، في الوقت الذي يعرف الجميع أن هذا اللقاء الرباعي في مقر الصدر يأتي ضمن مساعي الأطراف المذكورة لتشكيل تكتل جديد له حساباته الداخلية والخارجية.
يفسر ذلك ما كتبه الصدر في 3 شباط/فبراير في حسابه في “تويتر”: “بعد العنف المتصاعد في العراق من قبل جهات مسلّحة إرهابية ضد مصالح الشعب والكتل السياسية، سارع بعض الإرهابيّين الخارجين عن القانون إلى زجّ العراق في حرب إقليمية خطرة، من خلال استهداف دولة خليجية بحجة التطبيع أو بحجّة حرب اليمن أو ما شاكل ذلك، وإنني أرفض رفضاً قاطعاً زجّ العراق بمثل هذه الصراعات، وأضمّ صوتي إلى المطالبين بوقف الحرب ضد اليمن، وأضمّ صوتي إلى وقف التطبيع مع العدو الصهيوني، إلّا أنّ ذلك لا يكون بالعنف والاقتتال، بل بالحوار والتفاهم مع الدول الإقليمية، ومن المهم ألّا يكون العراق منطلقاً للاعتداء على هذه الدول ودول الجوار”.
أقوال مقتدى الصدر هذه تلتقي مع المعلومات التي تتحدث عن دعم إماراتي – سعودي – كويتي – قطري – تركي – أميركي لكتلة الصدر ومن سيتحالف معها من السنة والشيعة والكرد. ويحظى جناحهم البرزاني بدعم معروف تاريخياً وحاضراً من “إسرائيل” (التذكير باجتماع التطبيع في أربيل في 25 أيلول/سبتمبر الماضي) التي يتحرك رئيسها على محورين، الإمارات وتركيا، لضمان مستقبل الدور الإسرائيلي في مجمل معادلات المنطقة، وبشكل خاص سوريا ولبنان، وبالضرورة إيران المجاورة للعراق، وهو ما يعني احتمالات اعتراض الأطراف الإقليمية المذكورة على برهم صالح (يُقال إنّ مسعود البرزاني اقترح على الاتحاد ترشيح شخص آخر)، الذي وقف موقفاً مشرفاً عندما حيّا الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في ذكرى اغتيالهما في 3 كانون الثاني/يناير الماضي.
وكان موقف الرئيس صالح كافياً لإزعاج الكثيرين، إذ قال “إن القائد الشهيد أبو مهدي المهندس والقائد الإيراني الكبير الحاج قاسم سليماني شخصيتان مؤثرتان كبيرتان جداً في بلدنا، فالقائد قاسم سليماني أتى في لحظة عصيبة، وشارك مع قواتنا المسلحة ومواطنينا في التصدي لداعش وخطر أكبر هجمة كانت تعصف بنا، فضحّى بنفسه من أجل العراق، وانتصرنا على داعش الإرهابي، وأفشلنا مشروعه الخبيث”.
كلام الرئيس برهم صالح وضعه في خندق “الأعداء” بالنسبة إلى القوى الإقليمية المذكورة التي تُعرف بمنافستها أو عدائها لإيران، ودورها في العراق، وعبره في سوريا ولبنان. مثل هذه الحسابات يجعل انتخاب الرئيس العراقي قضية إقليمية ودولية أكثر من كونه نتاجاً لحسابات رقمية بين أطراف عراقية لم تجد أساساً حلاً لأيٍّ من أزمات العراق منذ تعرّضه للاحتلال الأميركي.
إنَّ عواصم الخليج، وفي مقدمتها الرياض، التي دعمت “داعش”، وأرسلت إلى العراق آلاف الانتحاريين، ترى الآن في مقتدى الصدر ومن معه من الشيعة “كنزاً” يجب الاستفادة منه ضد الشيعة المدعومين من إيران، على حد قولها. كما ترى هذه العواصم في الحلبوسي ومن معه من السنة ورقة يمكن المساومة بها مع كل الأطراف الداخلية والخارجية، مع الاهتمام التركي التقليدي بالسنة ومسعود البرزاني، وذلك لحسابات عديدة، أهمها مواجهة الدور الإيراني وضمان بقاء القوات التركية شمال العراق بحجة محاربة حرب العمال الكردستاني التركي.
وتتحدث المعلومات عن وساطة تركية بين الحلبوسي وخميس الخنجر والبرزاني، إذ استقبل إردوغان (2 شباط/فبراير 2022) نيجيرفان بارزاني في أنقرة، في الوقت الذي تراهن “تل أبيب” على مستقبل الصراع العراقي الداخلي بتفاعلاته الإقليمية التي ترى فيها فرصتها الذهبية لجرّ العراق إلى التطبيع معها، بعد المصالحة الإسرائيلية مع الإمارات والمغرب والسودان والبحرين وعمان، وقريباً السعودية، بعد تركيا.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف على صعوبة الواقع العراقي الداخلي الذي ستسعى قوى إقليمية لتعقيده أكثر فأكثر، ليساعدها ذلك على جرّ البلد المهمّ بكلّ معطياته إلى مزيد من الأزمات، بما في ذلك تحريك خلايا “داعش” النائمة، وسيحول ذلك العراق بموقعه الاستراتيجي الحساس إلى ساحة صراعات، ثم مواجهات مباشرة وغير مباشرة بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، ما دامت معطيات هذا البلد الدينية والعرقية والطائفية قابلة للاستفادة منها دائماً، وذلك بفضل العديد من الأطراف التي تتحرك بتعليمات وأوامر خارجية، بدلاً من التزامها الوطني على أساس المصلحة المشتركة للجميع في عراق موحد، وإلا فالدمار سيكون مصير كلّ العراقيين، وعبرهم كلّ المنطقة التي ما زالت تعاني تبعات السياسات الصدامية، وأهمها الحرب على إيران، بتعليمات أنظمة الخليج وواشنطن التي يبدو واضحاً أنها تريد للتاريخ أن يكرر نفسه بمساعدة أكثر من صدام!