‘أقنعة خلف الوجوه’ تشهد على واقع لبنان
تُشكّل رواية “أقنعةٌ خلف الوجوه” للكاتب اللبناني الدكتور نزار دندش شهادة روائية على مرحلة تغييرية وطنية حقيقية يشهدها المجتمع اللبناني للفترة (2019 – 2022)، مرحلة تتخطى المناطقية والحزبية والطائفية وتتسع بروائيتها على مساحة الوطن، لتؤشّر على حالة أصبح فيها وضع الإنسان اللبناني على المحك؛ وفي زمن يصفه الروائي بزمن “الانهيار الشامل”، زمن يحاول غالبية اللبنانيين فيه إسقاط الأقنعة عن رموز تأصلت في البنى الذهنية لعقود، ولذلك فإن الخروج منها هو درب الجلجلة الذي سيعبره كلٍّ منهم.
من هنا يمكن أن يشكّل العنوان برمزيته (الوجه/ القناع) معبراً لهيكلة روائية لا تخلو من حذق، حيث تلتقي حلقات بحث الشخوص عن مخرج للأزمة، برغبة الروائي الأصلية في إبداع رواية “الثورة”، “التغيير”، “الوعي” فلنسمّها ما شئنا؛ المهم أن الكلّ أصبح يدرك بأنه لا عودة إلى الوراء.
في الخطاب الروائي يبدو التباين في نوعية الأقنعة التي وظّفها الروائي للتعبير عن الوجوه التي أراد إسقاط القناع عنها، ومنها وجوه تتوارى خلف الأقنعة ومنها وجوه تطفو على السطح بوجهها الحقيقي، ويقوم الروائي بتشكيلها مبرزاً علاقات شتى تتفاوت بين الانسجام والتناقض فيما بينها؛ حيث تمثّل دعوة أسرة سليم الحطّاب أهالي البلدة من الوجهاء إلى حفل ميلاد ابنها الشاب نبيل والذي سيكون له دوراً مهماً في الدفاع عن حقوق الناس؛ صورة مصغّرة عن أنماط العلاقات السائدة في الآونة الأخيرة، حيث تتكشّف العلاقات التي ترصدها الرواية عن منظومتين اثنتين من القيم تنظّمان الحياة الاجتماعية في لبنان، إحداهما تنتمي إلى القيم السلبية، ويمثلها في الرواية “جابر الخيّال”، الذي يدير محطة للوقود في وسط البلدة، ويحتكر البنزين، والتاجر “راضي” صاحب السوبر ماركت الذي يسعى إلى حماية رأسماله بفعل صعود قيمة الدولار، و”عارف” الصيدلاني المتهم بإخفاء الأدوية التي تدعمها الدولة بانتظار رفع الدعم عنها لبيعها فيما بعد بأسعار مرتفعة.
أما المنظومة الأخرى للعلاقات الاجتماعية فتنتمي إلى القيم الإيجابية، وتمثّلها في الرواية شخصيات عديدة تشمل المظلومين والمقهورين والمخدوعين، وأبرزها شخصية “سليم الحطّاب” الأب العصامي المنتمي إلى أسرة معدومة والذي انتصر على الظروف ومنح ابنه “نبيل” الحب والرعاية والتعليم العالي، والذي اضطرته ظروف البلد للهجرة إلى الخارج لفترة من الزمن، تاركاً حبيبته “دينا” على أمل تأمين مستقبله ومن ثم العودة والزواج منها، ولكنّه عندما عاد قاصداً التغيير والدفاع عن حقوق الناس، وجد خفافيش الظلام في انتظاره، ويوماً بعد آخر وجد نفسه في دائرة لا فكاك منها عنوانها “البقاء للأقوى”، فمن الأقوى في لبنان اليوم؟
في “أقنعةٌ خلف الوجوه”، يسجّل الدكتور نزار دندش للتاريخ شهادة روائية حيّة عن الحياة في لبنان وهو ما يزال على مفترق طرق، رواية، ستبقى خالدة، وسيقرأها اللبنانيون على مرّ الأجيال.