لماذا “تتجنّب” إسرائيل عملية عسكريّة واسعة بالضفّة؟
يُحذِّر كبار القادة الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين من انفجار الأوضاع بالضفّة الغربيّة المحتلّة، معتبرين التحدّي الماثل أمامهم في الضفّة أحد أهّم وأخطر التحديات التي ستُواجِه كيان الاحتلال في العام المُقبل، وذلك على وقع تنامي وتعاظم قدرات المقاومة المسلحة، التي لا تُقيم وزنًا لتهديدات الحكومة الإسرائيليّة الجديدة، المؤلفة من مجموعة فاشيين وعنصريين يعتقدون أنّ كونهم يهودًا يمنحهم الحقّ بالتصرّف مع الآخرين باستكبارٍ وعنجهيةٍ بصفتهم “أصحاب الأرض الأصليين” (!).
وقال يوسي يهوشواع، محلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة “يُعلّمنا الواقع في الضفّة الغربيّة أنّنا في وضع مختلف، طويل ومرهق، إنّه يشير إلى حدوث تغيير في عمق المجتمع الفلسطيني، حيث يستلهم السكان الذين ليسوا جزءًا من أنشطة المنظمات من الشبكات الاجتماعيّة ويستمدون الدافع من هناك لتنفيذ العمليات”.
ونقل المحلل عن مصدرٍ أمنيٍّ رفيعٍ في تل أبيب، طلب عدم الكشف عن اسمه، نقل عنه قوله فيما يتعلّق بتجنّب جيش الاحتلال الدخول في عملية واسعة النطاق في الضفة وتحديدًا في مخيم جنين، نقل عنه قوله “إنّ عملية من هذا النوع ستنتهي بعددٍ كبير من القتلى والجرحى الفلسطينيين، وهذا سيؤدي الى مزيدٍ من العمليات الانتقاميّة وإشعال المناطق كافة، وقد تشتعل غزّة أيضًا بشكل غير مباشر، ولا أحد يريد ذلك”، على حدّ تعبيره.
بالإضافة إلى ذلك زعم المصدر عينه أنّ “التحدي الأكبر في حرب العقول التي يخوضها الجيش الإسرائيليّ ضدّ (كتيبة جنين) هو كيف يمكن إلحاق الضرر بالبنية التحتية للمقاومة دون أنْ تدخل المنطقة بأكملها في دوامة التصعيد الأمنيّ”، على حدّ تعبيره.
المصادر الأمنيّة الإسرائيليّة أقرّت أنّه على الرغم من أنّ مجموعات المقاومة لا تزال تعتبر “فتيّة” وتتحرّك وسط ساحة معقّدة و”محاصرة” من الاحتلال، إلّا أنّها استطاعت أنْ تجعل من الضفة الغربية المحتلّة ساحة استنزاف لجيش الاحتلال الذي لا يملك سوى خيار التعامل الموضعيّ مع هذه المجموعات بالنظر الى التغيرات الجذرية التي أحدثتها على الساحة الفلسطينية، كما أكّدت.
وفي هذا السياق، قدّرت مصادر أمنيّة واسعة الاطلاع في تل أبيب ارتفاع عمليات المقاومة في الضفة الغربية المحتلّة بنسبة 400 بالمائة العام الماضي وحينها قتل 18 اسرائيليًا، لكن العام 2022 الحالي شهد تنامي مجموعات وكتائب مقاومة أكثر تنظيمًا وهيكليّةً توزعت في مختلف مناطق الضفّة، وعلى وجهٍ خاصٍّ في الشمال.
وفي سياقٍ متصّلٍ أقرّت المنظومة الأمنيّة الإسرائيليّة بصعوبة المواجهة مع ما أسمته المصادر بإرهاب التيك توك، لافتةً إلى أنّ الجيل الفلسطينيّ الجديد، الذي يقود المقاومة الحالية، يقوم باستخدام وسائط التواصل الاجتماعيّ بشكلٍ مكثفٍ ويستثمرها بهدف نشر عملياته والتنسيق للعمليات القادمة، وعلى نحوٍ خاصٍّ تطبيق (تيك توك) الصينيّ، الذي بات الأكثر شيوعًا في الضفّة الغربيّة ولا يُمكِن للاحتلال والأجهزة الأمنيّة التابعة للسلطة من رصده والتعامل معه.
لذلك يجتهد الإعلام العبريّ وأجهزة الأمن التابعة للاحتلال للتحذير من هذه المساحات الإعلاميّة المهمة، التي باتت إحدى وسائل الشباب الفلسطيني في نشر كلّ ما يُعزز من حضور الرواية الفلسطينيّة كساحةٍ مهمةٍ وضروريةٍ لمواجهة الاحتلال لا تقل أهميتها عن أهمية المقاتل الذي يتصدى في ميدان المواجهة.
وفي الخلاصة، يُمكن تلخيص التطوّر المذكور بما كانت قد أكّدته المستشرقة الإسرائيليّة، كسانيا سفيتلوفا في مقالٍ نشرته بموقع (زمن إسرائيل) العبريّ: “تعرض الشبكات الاجتماعيّة العالم وخاصّةً الشباب للصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ بطريقة مباشرة وفورية. ويبدو أنّ مستخدمي تيك توك الفلسطينيين والمؤيدين للفلسطينيين ينجحون في إعادة تشكيل جبهةٍ عربيّةٍ ودوليّةٍ. كّل هذا يحدق بينما إسرائيل تغلق عيونها وتشتم رائحة (اتفاقات إبراهيم)”، على حدّ تعبيرها.