يرى أستاذ العلوم السياسية العراقي د.عماد علي حمد أن شرعية قيام دولة إسرائيل مثل جدلًا واسعًا في الفكر السياسي الإسرائيلي المعاصر بين الحركات اليهودية المختلفة، فهناك حركات ايدت قيام دولة إسرائيل مثل حركة عمال ارض إسرائيل وحركات اخرى ناهضت قيام دولة إسرائيل مثل حركة ناطوري كارتا وغيرها، تأسيس الجدل على الموروث الديني اليهودي تبعًا للتفسيرات المختلفة لكلًا من التوراة والتلمود وما رافقهُن من شروحات وملاحق للأحبار اليهود التي كتبت في المشنا والجمارا، بالاضطلاع في البروتوكولات والمؤتمرات الصهيونية.
ويؤكد حمد في كتابه “فلسفة قيام الدولة الاسرائيلية.. الحركات اليهودية والصهيونية” الصادر عن دار العربي أنه بالرغم من ان دولة إسرائيل قامت على أسس روحية تدعوا للذهاب إلى ارض الميعاد وان الشعب اليهودي هو الشعب المختار الذي يجب ان ينتهي شتاته؛ وتستند في ذلك على اسطورة معاداة السامية التي اخذت حجتها أسطورة الهولوكوست، عبر ترسيخ فكرة اذهان اليهود ان الاغيار يكرهون اليهود ويسعون للقضاء عليهم في اي فرصة تسنح لهم، ويجب على كل يهودي مخلص ان يذهب إلى صهيون. فقد تمثلت رؤية الجماعات اليهودية حول حل المسألة اليهودية من خلال نزول المنقذ المخلص في أخر الزمان الذي سينهي العذاب اليهودي الذي طال انتظار نهايته، لكن بعد الاعلان عن قيام دولة إسرائيل سرعان ما لبثت ان انشقت هذه الجماعات فيما بينها، بعدما مثل بعض الحركات اليهودية المسيحانية التيار الذي يؤمن في الذهاب إلى إسرائيل والانخراط في سياسة الحكومة الإسرائيلية والسعي للحصول على مكانة تتيح لها التأثير في الحكومة الإسرائيلية، ومن ابرز تلك الحركات المسيحانية هي حركة اغودات إسرائيل، وترى ان عدم امكانية الفصل ما بين الدين اليهودي والمسيحي مع الايمان بالثالوث المقدس الاب والابن وروح القدس وتؤيد وجود دولة إسرائيل لان دولة إسرائيل سوف تحقق الخلاص المسيحي وفق الروى الطائفة البروتستانتية، في حين كانت فلسفة الجماعات الحريدية مختلفة تمامًا، التي ترى ان وجود دولة إسرائيل هو اثم وخطأ سيتحمل اليهود جميعًا هذه الخطيئة، لان وجود الدولة اليهودية يجب أن يتَّم من خلال نزول المخلص من دون تدخل بشري، ومن شأن دولة إسرائيل أن تؤجل الخلاص اليهودي، ولا يمكن ان يحدث الخلاص اليهودي الا من خلال انهيار دولة إسرائيل، اما الجماعات الحسيدية فقد اخذت موقف وسط ما بين الجماعات المسيحانية والحريدية، إذ ترى حركة حبّد الحسيدية ان نزول المنقذ المخلص ليس من خلال تدمير دولة إسرائيل، انما يتجسد من خلال توبة الحركة الصهيونية والعدول عما فعلت ان تقوم بإنهاء وجود دولة إسرائيل بغية ان لا يغضب الرب عليهم ويعجل هلاكهم.
ويضيف “بالرغم من الاختلاف المألوف ما بين الحركات الصهيونية واليهودية حول وجود الدولة اليهودية في الفكر السياسي الإسرائيلي المعاصر، إلا ان وجود حركات يهودية مؤيدة لدولةإسرائيل ووجود حركات صهيونية معارضة لدولة إسرائيل يعقد من وجود رؤية شاملة ومتكاملة نحو الكيان الصهيوني، بعد ان اصبحت بعض الحركات الصهيونية مناهضة لوجود دولة إسرائيل، اتت هذه المعارضة بسبب الاختلاف في روية طبيعة النظام الحزبي لدولة إسرائيل، بعد وصول الحركات الدينية المتشددة إلى دفت الحكم محاولة ايجاد نظام ثيوقراطي يحكم دولةإسرائيل، إذ رأت حركة العمل الإسرائيلي على سبيل المثالان الدولة الإسرائيليةخرجت عن مبادئ عراب الحركة الصهيونية تيودور هرتزلالتي نشأت عليها الدولة.
ويرى إنّ للفكر اللاهوتي والإيديولوجي دورًا كبيرًا في قيام دولة إسرائيل، وخاصة بعد توظيف اللاهوت اليهودي في قيام الدولة بعد الترويج لفكرة الخلاص اليهودي من خلال قرب نهاية العالم وفق النبوءات الدينية اليهودية، مما دفع الصهيونية لاستغلال ستخير نزول المسيح لتحقيق هدف قيام الدولة من جهة والسعي للحصول على تأييد يهود الشتات من جهة اخرى، بهدف حماية وجود الدولة من خطر الزوال الذي يهددها ولا سيما وجود جماعات يهودية رافضه لها بشكل جزئي او كلي ووجود عدو عربي، لتوظف الصهيونية اللاهوت الصهيونية بهدف توظيف الاساطير الروحية والسياسية في اقناع اليهود الشتات بقبول الدولة، والذهاب إلى إسرائيل وانتظار نزول المخلص المنقذ.
سعى حمد في كتاب للتوصل إلى مجموعة من الأهداف، هي: معرفة درجة التناقض ما بين الحركات الصهيونية واليهودية وبالعكس ـ تأثير الحركات الصهيونية على الدولة الإسرائيلية ـ أثر الحركات اليهودية على الدولة الإسرائيلية ـ تسخير الفكر اللاهوتي والايديولوجي لقيام دولة إسرائيل.
ويقول حمد إن “تباين مواقف المفاهيم الأيديولوجية في مسألة وجود دولة إسرائيل، فمنها أشارت إلى الدولة بشكل مباشر مثل بروتوكولات حكماء صهيون فقد كان هدف هذه البروتوكولات هو إقامة وطن قومي لليهود، في حين مخطوطات البحر الميت كان لموقف مختلف في من يقوم في الدولة، إذ ترى أن السيد المسيح من يضطلع بهذه المهمة في اخر الزمان على العكس من المفاهيم اللاهوتية الأخرى التي ترى أن إقامة الدولة عبر تدخل بشري. إن بروتوكولات حكماء صهيون كانت اسبق من مؤتمر بازل 1897 إذ اختلفت الآراء في من كتب البروتوكولات فمنهم من يرى ان كتبها الكاتب الفرنسي موريس جولي في منتصف القرن الثامن عشر، في حين هناك رأي يرى أن البروتوكولات قام بكتابتها الحاخامات الصهاينة امثال تيودور هرتزل، و أحدهعام، مستندًا على حجة انها أصبحت تعرف باسمهم بروتوكولات حكماء صهيون، إلا ان البعض ذهب إلى رأي ان من كتبها هو شخص مجهول عرف باسم مستعار ماثيو غولوفسكي.
ويوضح أنه كانت هناك عوامل ساهمت في صعود الفكر السياسي الإسرائيلي المعاصر، لا سيما العامل السياسي، الذي أوجد إسرائيل على أرض الواقع كنظام سياسي، مستند على العامل الديني، الذي ساعد في ترويج فكرة الدولة الإسرائيلية وتدشينها.وقد مثلت الكيبوستات أول تجمع فعلي لمجتمع الشتات اليهودي، الذي ذهب إلى فلسطين وأوجد مجتمع إسرائيلي في مرحلة التكوين.
ويؤكد حمد أن تأصيل فكرة الدولة اليهودية لم تكن موجودة في الدين اليهودي فقط؛ فقد مثل التاريخ أحد الشواهد المهمة التي يروم اليهود إلى إعادة امجاد مملكة داوود عليه السلام، التي تعد أول دولة لليهود عبر التاريخ، فقد مر اليهود عبر الأزمنة الطويلة في مراحل متقلبة أثرت على مدى تقبلهم لفكرة الدولة اليهودية، وخاصة أن الهجرة إلى فلسطين بشكل جماعي حرمت من قبل الحاخامات اليهود الذين يرون أن دولة إسرائيل هي دولة كافرة، إلى أن أتت حركات التنوير أثارة شغف الحنين إلى اورشليم، اثرت تلك الحقب الزمنية على الطبيعة السيكولوجية ليهود إسرائيل حول وجود الدولة من عدمه.
ويشير إلى ملامح فكرة الدولة الإسرائيلية ظهرت بعدة حقب زمنية مختلفة، فقد دعمت فكرة دولة إسرائيل بعد العام 1948 تحت غطاء ديني من أجل الحفاظ على وجود الدولة الحديثة، في حين مثلت ملامح الدولة ما بعد 1967 نقطة التغيير في فلسفة الدولة الإسرائيلية، تزامنًا مع نكبة حزيران 1967 أو كما تعرف باسم معركة اليوم الكبير في الأوساط اليهودية، إذ شهدت صعود الجماعات الدينية الرافضة للدولة بشكل جزئي إلى سدت الحكم وما أنتج عنه من تغييرات كبيرة في طبيعة النظام السياسي الإسرائيلي. وقد تجسدت فلسفة الدولة اليهودية في توظيف الحركة الصهيونية للأساطير اليهودية لخدمة مشروعها الصهيوني، بعد أن اعتمدت على الأساطير الروحية للدين اليهودي لجمع الشتات اليهودي في فلسطين من خلال أسطورة ارض الميعاد وشعب الله المختار، فقد استخدمت اسطورة الهولوكوست وأسطورة معاداة السامية الذرائع الأساسية للضغط على الحكومة العالمية لإقامة دولة يهودية إسرائيلية.
وينبه حمد إلى أن هناك العديد من الحركات الصهيونية واليهودية كانت مؤيدة لوجود الدولة، فقد مثل الحركات الصهيونية حركة ارض عمال إسرائيل (الماباي) التي أسسها بن جوريون وكانت أكثر حركة تأثير في المشروع الصهيوني ونقطة وصول القيام الدولة الإسرائيلية، لكن مع مرور الوقت تغيير موقفها من مؤيدة إلى رافضة للدولة، وخاصة بعد سيطرت الحركات اليهودية على الحكم تزامنًا مع تراجع هيمنة حزب الماباي، مما دفع الحركة أن تدخل في اندماجات مع الحركات العمالية تطالب الحركات اليهودية الرافضة للدولة بشكل جزئي أن تغيير من سياستها وأن تمنح فلسطين استقلال ذاتي، تمثل ذلك عندما قام شمعون بيريز بعقد اتفاقية كامب ديفيد والسعي إلى إعادة مشروع الون الذي يقر بوجود دولة فلسطينية، هذا التناقض كان نتيجة تعارض المصالح وليس وليد الروى الدينية. وتعد حركة ناطوري كارتا هي الحركة الوحيدة من الحركات اليهودية التي ترفض وجود دولة إسرائيل رفض قاطع، ويبلغ عدد أعضاء ناطوري كارتا نحو (10 ألاف) يهودي في العالم.
وعملت الحركة الصهيونية على إقامة تيار ديني صهيوني، الهدف منه احتواء الحركات اليهودية الدينية المناهضة للصهيونية، من أجل ايجاد نظام سياسي إسرائيلي صهيوني – يهودي. وقد انشقت حركة ناطوري كارتا عن اغودات إسرائيل، لأنها ترى في اغودات حركة تخلت عن تعاليم الدين اليهودي. كما انشقت حركة حبّد عن الجماعات الدينية الحريدية المتشددة وانضمت إلى الجماعات الحسيدية بسبب اختلاف الروى، إذ ترى حركة حبّد أن تحقيق الخلاص اليهودي لا يكون عن طريق تدمير دولة إسرائيل انما من خلال توبة الحركة الصهيونية عما فعلت، الأمر الذي سوف يؤدي إلى نزول المخلص اليهودي.
ويشدد على أن موقف العديد من الحركات الصهيونية واليهودية من وجود دولة إسرائيل كان يتسم في قبول وجود الدولة لكن في المقابل يشترط وجود دولة فلسطينية أو منح فلسطين حكم ذاتي. وقد تميزت حركة ماتزبن باختلاف رؤيتها للدولة الإسرائيلية، إذ طلبت من دولة إسرائيل الاندماج في جمهورية اشتراكية في الشرق الأوسط.
ويلاحظ حمد أن الصهيونية روجت لفكرة الخلاص اليهودي عبر تسخير المسيح لفكرة نهاية العالم للحصول على قبول الدولة في الاوساط اليهودية من الناحية الايديولوجية. كما أن توظيف اللاهوت الصهيوني واللاهوت اليهودي، يمثل القيادة السياسية للدولة كفلسفة نظام سياسي قائم بذاته، من هنا يظهر اختلاف التوظيف السياسي للاهوت الإسرائيلي عن موقف الحركات من وجود الدولة، من أجل فك الالتباس.
ومن الاستنتاجات التي توصل إليها حمد في كتابه:
ـ يعد مصطلح دولة إسرائيل مزيجًا بين التطرف الصهيوني الديني والتطرف السياسي.
ـ في مسألة الدولة تعتقد الحركات الصهيونية أن الرب اختارهم لهذه المهمة لأنهم يمثلون صفوة الشعب المختار.
– اتسمت القيادة السياسية للدولة الصهيونية بدرجة تأثير أكبر من القيادات اليهودية، يرجع ذلك إلى النفوذ الذي يمتلكه الصهاينة على الدول الكبرى.
– احتكار يهود الاشكناز للسلطة وللوظائف المهمة في الدولة خلف فجوة بين الحركات اليهودية داخل الدولة بسبب سياسة التهميش التي تمارسها مع السفارديم الشرقين اليهود الشرقين ويهود اثيوبيا الفلاشا على حدٍ سوى، مما أثر على موجات الهجرة من والى إسرائيل.
– مكانة العسكري في داخل الدولة الصهيونية منحت قدسية للجيش الإسرائيلي بمثابه جيش الرب الذي يدافع عن الدولة الإلهية.
– سعت الحركة الصهيونية إلى إقامة دولة اسرائيل الكبرى التي تمتد حدودها من نهر الفرات إلى النيل، عبر سياساتها التي أقرتها الحكومة الصهيونية بعد احتلال مناطق يهوذا والسامرة في العام 1967.
– عمل الكيان الصهيوني إلى إحداث تغيير ديمغرافي في داخل إسرائيل، لأن اليهود يمثلون اقلية قياسًا بالفلسطينيين الذين يفوقون عددهم أضعاف، وخاصة اتباع اليهود تحديد النسل مما يعرضهم للزوال، الأمر الذي دفع الحكومة الصهيونية إلى اتباع سياسات طرد وعزل الفلسطينيين من الأرضي الإسرائيلية.
– وجود دولة تحكم وفق رؤية يهودية الهدف منه تعميق الشعور الديني اليهودي، ويقول في هذا الصدد الحاخام اليهودي بهوشع أنا إسرائيل ي متدين، من أجل أن تكون دولة إسرائيل دينية يهودية صهيونية.
– المسؤولية من وجهة نظر الصهيونية هي مسؤولية فردية، أما المسؤولية في الرؤية اليهودية هي مسؤولية جماعية، الأمر الذي دفع الحركات اليهودية أن تدير الدولة وفق رؤية دينية تحمي اليهود والصهاينة على حدٍ سوى.
– يعد بناء الهيكل مسألة اثارة جدل كبير بين الجماعات اليهودية والصهيونية، إذ ترى الجماعات اليهودية ضرورة تدمير قبة الصخرة المشرفة للمسجد الأقصى وإقامة هيكل سليمان عليه السلام على أنقاضها، أما الرؤية الصهيونية فأنها ترى أن مكان الهيكل مختلف ولا يجوز تدميره.
– يتمثل مستقبل دولة إسرائيل في أن الدولة ككيان صهيوني هي دولة زائلة من الناحية الفعلية، لأن الدولة الصهيونية تناقض فكرة وجودها، فقد قامت على حجج دينية مزيفة من منظور لاهوتي.
– مستقبل دولة إسرائيل من منظور يهودي، هي دولة غير موجودة على أرض الواقع، فالدولة اليهودية كنبوءة ليس لها وجود؛ فقط في عقول اليهود المتطرفين.
– اعلان القدس عاصمة دولة إسرائيل في مطلع العام 2017، مثل تجسيدًا واضحًا لعمل الحركات الصهيونية الدينية في ايلاء الفكر النبوئي للدولة الإسرائيلية وفق الرؤى الصهيونية الدينية التي تحكم الكيان الصهيوني.
– المنقذ المخلص اليهودي ليس السيد المسيح الذي تؤمن به المسيحية وليس عيسى عليه السلام الذي يؤمن به المسلمين، فاليهود يعتقدون ان المنقذ المخلص الذي قال عنه موسى عليه السلام لم يأتِ إلى الآن ولم يظهر حسب اعتقاد العديد من اليهود.