في خضم الحرب العالمية الأولى، أصدرت الحكومة البريطانية ضمن بيان رسمي ما عرف بوعد بلفور الذي أكدت من خلاله دعمها لفكرة تأسيس وطن قومي لليهود على أراضي فلسطين التي كانت بتلك الفترة ضمن المناطق التابعة للدولة العثمانية.
وتواجد هذا الوعد ضمن رسالة بتاريخ 2 نوفمبر 1917. وجهت من وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور (Arthur Balfour) إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد (Lionel Walter Rothschild). الذي مثل أبرز شخصيات المجتمع اليهودي البريطاني، بهدف نقلها إلى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وإيرلندا.
وقبل وعد بلفور، سجلت فكرة إنشاء وطن لليهود بفلسطين دخولها للبرلمان البريطاني بشكل لافت للانتباه. عن طريق النائب والسياسي اليهودي البريطاني هيربرت صمويل (Herbert Samuel). حيث مرر الأخير في خضم الحرب العالمية الأولى مذكرة على النواب والسياسيين البريطانيين حول فكرة إنشاء وطن لليهود. وقد ساهمت هذه المذكرة في خلق تعاطف مع مسألة اليهود والمنظمة الصهيونية أيضا. ولعبت فيما بعد دوراً هاماً في بلورة وعد بلفور.
مذكرات
بعد مضي شهر واحد عن دخول العثمانيين الحرب العالمية الأولى. التقى هيربرت صمويل بحاييم وايزمان (Chaim Weizmann) الرئيس المستقبلي للمنظمة الصهيونية العالمية وأول رئيس بتاريخ إسرائيل. وبهذا اللقاء، وصف صمويل مطالب المنظمة الصهيونية بالمتواضعة. وتحدث عن ضرورة إنشاء اليهود لخطوط سكك حديدية وموانئ وجامعات ومعاهد بوطنهم الجديد في تلميح منه لفلسطين.
وفي يناير 1915، مرر صمويل على رفاقه بالبرلمان مذكرة لقبت بمستقبل فلسطين. وانطلاقاً من ذلك، أكد على ضرورة احتلال بريطانيا لفلسطين لضمان سيطرتها على قناة السويس. كما وحمايتها من الدول الأخرى المعادية. تزامناً مع ذلك، حث على إنشاء وطن لليهود بفلسطين مؤكداً على وفاء هذه الدولة اليهودية لبريطانيا ومصالحها بالمنطقة أيضا. وبعد نحو 3 أشهر، مرر مذكرة أخرى على رفاقه بالبرلمان حول إنشاء وطن لليهود بفلسطين مشدداً على أهمية حصول العرب بفلسطين على معاملة مماثلة لتلك التي سيحصل عليها المهاجرون اليهود.
فيما مثلت هذه المذكرات التي قدمها صمويل للبرلمان أولى الوثائق التي خلقت تعاطفاً مع مسألة اليهود والمنظمة الصهيونية صلب النواب والسياسيين البريطانيين أيضا. وبالفترة التالية، ساهمت في صدور وعد بلفور الذي قدمه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور حول إنشاء وطن قومي لليهود على أراضي فلسطين.
مندوب بريطانيا السامي بفلسطين
مع نجاح البريطانيين في الاستيلاء على فلسطين، خسر صمويل سنة 1918 مقعده بالبرلمان البريطاني. وفي الفترة نفسها، عيّن عام 1920 مندوباً سامياً بريطانياً على فلسطين بانتظار صدور قرار الانتداب الذي أقرته منظمة عصبة الأمم.
وظل صمويل بهذا المنصب لحدود عام 1925. وبسبب ذلك، وصف من قبل كثيرين كأول يهودي يحكم فلسطين منذ ألفي عام. وأثناء فترة حصوله على منصب المندوب السامي، جعل صمويل من العبرية واحدة من اللغات الرسمية بفلسطين كما شجع على هجرة اليهود نحو أرض فلسطين. من جهة ثانية، شجع عرب فلسطين على الانخراط بالحياة السياسية لضمان وجودهم والحفاظ على حقوقهم الاقتصادية والثقافية.
كذلك لم يتردد صمويل في تعيين أمين الحسيني برتبة مفتي القدس. وفي السنوات التالية، تحول أمين الحسيني لعقبة أمام الطموحات البريطانية واليهودية بالمنطقة بسبب معارضته الشديدة لسياسة بريطانيا في إدارة شؤون فلسطين وسياسة استقطاب المهاجرين اليهود.
وأثارت عملية تعيين صمويل بمنصب مندوب سامي بفلسطين ردود فعل متباينة. فبينما استحسنها العديد من أفراد المنظمة الصهيونية، رفض المسؤولون العسكريون البريطانيون بالمنطقة، من أمثال إدموند ألنبي (Edmund Allenby) الأمر ووصفوا هيربرت صمويل بالرجل الخطير.