عند التمعن في أسلوب وطريقة كتابة التاريخ من قبل القوي المنتصر، يجب على القارئ والمهتم في الشؤون التاريخية إعطاء الموضوع دراسة أكثر عمقاً وتحليلاً أبعد للأحداث والشخصيات التي شكلت طريقة صياغة ارسال هذه المعلومة من منظور مفهوم القوة وأهدافها وغاياتها في سبيل توصيلها ونشرها للبشرية من منظوره الاستعماري المبني على التفوق على الأعراق والأجناس البشرية الأخرى .
فرواية الغرب للأحداث والحروب على مدى التاريخ الحديث، في أنحاء المعمورة وعلى امتداد القارات، جعلني اشك في كل رواياته عن الحروب في القرنين الماضيين وخاصة الحرب العالمية الاولى والثانية، وكل ما أتوا على سرده وذكره في الحروب التي انتصروا فيها والغايات التي من اجلها حصلت هذه الحروب تحت مسميات وذرائع ما انزل الله بها من سلطان ولا يمكن لاي عاقل واي منطق القبول بها وبمسبباتها .
فالبحث في المصادر الأولية والثانوية، مثل الوثائق الرسمية، والسجلات، والرسائل، والكتب التاريخية، لاستخراج الحقائق والتحليلات الدقيقة اصبح ضرورياً التعمق به وليس القبول بما يسرد وينشر من وثائق نشرها الغرب من منظوره ضمن روايته ومصالحه .
أصبح الآن يراودني الشك أكثر من اي وقت مضى، بل وحتى الإيمان في بطلان كل ما يدونه الأقوى عبر العصور، وخاصة التاريخ الحديث فيما يتعلق بصحة روايته وغاياته والتي قوامها هو سحق الشعوب الضعيفة واستغلال مواردها وثرواتها لصالحه ، وفي كيفية تحريف المشاهد والحقائق وتزويرها بالشكل الذي يتناسب ومقاس مصالحه.
فكيف بنا إذا كنا نتحدث عن الماضي الذي لم نعشه ونأمن بدقة المعلومة المنقولة عنه وسرد تفاصيل روايته المزعومة والذرائع والحجج التي أتى بها في سبيل محاربة واستعمار الشعوب الضعيفة بكل الوسائل المتاحة .
فما تم ذكره أعلاه يصب في سياق الأحداث التي تم ذكرها ويعتبرها أمراً جوهريًا لفهم كيفية تأثير القوة والنصر عبر التاريخ.
ينبغي للباحث ولقارئ التاريخ في نهاية المطاف أن يعمل على فهم الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أدت إلى صعود القوة في تحقيق النصر، إضافة إلى تقييم الآثار طويلة الأجل لتلك الأحداث على المجتمعات المعنية.
أما بالنسبة للمؤرخ فمن الضرورة بمكان أن يكتب بأسلوب يجمع بين الوضوح والموضوعية، مستخدمًا لغة تاريخية دقيقة وصريحة وحيادية من منظور بعيد عن اي انحياز وتزوير لمجريات الحقيقة ومصداقيتها لإنصاف البشرية من حيث منظار مصداقية الحكاية وصدق روايتها .
وكذلك ينبغي أن تكون النتائج مدعومة بالأدلة والتحليلات المقنعة، مع تجنب الانحياز في تقديم الحقائق.
وبصريح العبارة ، يجب التدقيق في تحليل المعلومة وكيفية كتابة الحاضر الذي سوف يصبح في المستقبل هو التاريخ لمعرفة خبايا واطماع ومسببات الأقوى على التفرد في توصيل المعلومة للبشرية من منظوره، وكذلك المنهجية التي يتبعها من خلال مؤرخيه وعلمائه في البحث والتحليل، مع التركيز على إضاءة العلاقات السببية والتأثيرات بعيدة المدى لتلك الأحداث على مسار التاريخ.
لاشك في نهاية هذا المقام توصيل فكرة ان كل ماورد في التاريخ ودوّن من قبل الأقوى هو في معظمه مزور وكتب ونقل برؤية وحجج وذرائع ولمصالح المدون الذي يعمل لهذا المنتصر ومآربه .
ان معظم حقائق التاريخ المنقول مؤكد انها قد وصلت من رؤية ومصالح الأقوى في نقل روايته وتسويقها بالشكل الذي تناسب مصالحه، وروج لها المهزوم وللأسف من دون تعمق وتحليل لهذه المعلومات المنقولة وستبقى هذه القصة والأحداث تمجد المنتصر والأقوى وتستغل الأضعف وتستهدفه وتقلل من شأنه طالما بقي القلم بيد الأقوى، وخاصة طالما بقي من يدون في اوراقه ووسائل إعلامه وسجلاته ولطالما التاريخ يخطه ويدونه المنتصر .
بوابة الشرق الأوسط الجديدة