في إطار التحركات الجديدة لبعض دول الاتحاد الأوروبي لتغيير آلية التعامل مع دمشق، بعد أن تسببت السياسات المتّبعة بتفاقم أزمات اللجوء، وفي سياق الدفع الإيطالي المستمر في هذا الاتجاه، بدأت تتسرّب أنباء عن دراسة جدية في أروقة الاتحاد الأوروبي لتعيين مبعوث خاص إلى سوريا، في خطوة من المفترض أن تتبعها خطوات عديدة أخرى. وتأتي الإجراءات الأوروبية الجديدة نحو سوريا، والتي باتت تقودها إيطاليا التي أعلنت في تموز الماضي انفتاحها على دمشق، ضمن خطة عمل واسعة تشمل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للحد من موجات اللجوء، إثر اجتماع استضافته بروكسل على مستوى المبعوثين الخاصين لدول الاتحاد الأوروبي إلى سوريا ومديري دوائر الشرق الأوسط للدول الأعضاء في المفوّضية الأوروبية، تمّ خلاله تأسيس مجموعة عمل هدفها إعادة مناقشة سياسة الاتحاد تجاه سوريا وصياغة توصيات جديدة، تبعاً للتغيرات التي طرأت على الأرض.
وسبقت هذا الاجتماع سلسلة اجتماعات لثماني دول أوروبية هي: النمسا، كرواتيا، قبرص، التشيك، اليونان، إيطاليا، سلوفاكيا وسلوفينيا، قامت بصياغة كتاب وجّهته إلى المفوّضية الأوروبية، ضمن مبادرة حملت اسم «اللاورقة». وخلال هذه الاجتماعات، دعت الدول الثماني إلى إعادة تقييم العلاقات مع سوريا، بشكل يضمن تواصلاً أفضل مع المتغيّرات على الأرض، ما من شأنه أن يساهم في وضع تصور أفضل للحد من موجات اللجوء، عبر بوابة تعاون تلعب فيها دمشق دوراً مهماً. وقوبلت تلك المبادرة في البداية برفض من ألمانيا التي تسير على الطريق الذي رسمته الولايات المتحدة، التي تحاول جاهدة الإبقاء على الظروف الراهنة، ومنع أي حلول للأزمة الإنسانية التي تسببت بها الحرب المندلعة في سوريا منذ عام 2011، بما فيها أزمة اللجوء في دول الجوار، وموجات اللجوء المستمرة نحو أوروبا، التي تشهد حوادث غرق تسببت بمقتل الآلاف من الباحثين عن فرصة أفضل للحياة على الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
وإلى جانب تأمين قنوات تواصل رسمية مع دمشق، تتضمن «اللاورقة»، بحسب صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، بنوداً تتعلق بإمكانية زيادة الاستثمارات في سوريا، بهدف خلق بيئة أقل رغبة في اللجوء، الأمر الذي يتطلب في البداية إنهاء العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا. أيضاً، تتضمن «اللاورقة» بحث إمكانية فتح باب العودة الطوعية للاجئين إلى سوريا، وهو إجراء يتطلب تقديم دفعة وازنة لمشاريع «التعافي المبكر» لإعادة تأهيل البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للسكان في المناطق التي خرجوا منها. غير أن هذه المشاريع لا تزال تلقى معارضة من الولايات المتحدة، التي ترفض المضي قدماً فيها في ظل الظروف السياسية الحالية، برغم المآسي الإنسانية التي تسببت بها الحرب، والضغوط الكبيرة على الدول التي تستضيف اللاجئين.
وتأتي المحاولات الحالية لتغيير سياسة الاتحاد الأوروبي بعد أكثر من عقد على اتّباع سياسة قطيعة مشددة تجاه سوريا، وسط محاولة مدّ قنوات تواصل مع فصائل معارضة على الأرض في سوريا، إلى جانب جمع تبرعات سنوية لتأمين بعض المساعدات للاجئين في دول الجوار. على أن هذه السياسة أثبتت فشلها في ظل استمرار موجات اللجوء، سواء بسبب عدم موثوقية الأطراف التي تعاملت معها دول الاتحاد الأوروبي، أو بسبب عدم إمكانية ضخ المزيد من التمويل لمشاريع الإغاثة، في ظل انشغال الدول المانحة في الاتحاد الأوروبي (على رأسها ألمانيا) بتقديم الدعم لأوكرانيا في حربها مع روسيا من جهة، ولإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وفيما اتسعت رقعة الحرب لتشمل لبنان الذي يعيش على وقع عدوان مدمّر، بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة على سوريا، تساهم دول في الاتحاد في استمرار الحرب جرّاء الدعم المستمر لإسرائيل، والذي يشمل بشكل أساسي إمدادات كبيرة من الأسلحة والذخائر، الأمر الذي تسبب بحركة نزوح كبيرة من لبنان نحو سوريا التي تعاني أساساً من أزمات اقتصادية واجتماعية بسبب الحرب، ما يعني استمرار توافر الظروف الدافعة إلى تشكّل موجات اللجوء المستمرة نحو أوروبا.
صحيفة الاخبار اللبنانية