للشام صوت مميز. هو في الحقيقة مجموعة أصداء متناغمة متناسقة متفاعلة أساسها آذان الأموي مترافقا مع أجراس كنائس المحبة، موشحا بقصائد نزار، متسامياً بصوت فيروز. فيتردد الشام اسم الله عاليا في السماء، وترن الأجراس مستجيبة في أرجاء المعمورة. ويصح الكون بصوت فيروز الرحماني مؤكدة (شآم أنت العز لم يغب). وأنا لم أبدل “السيف” ب “العز” لأنني متأكد أن سعيد عقل عندما وضع “السيف” في قصيدته كصفة للشام أراد أن يعبر عن سموها وقوتها وارتقائها وعزها وتطلعها، ولم يقصد التعبير عن أداة الحرب تلك فقط. لذلك آثرت أن أعيد المعنى إلى نصابه خدمة للهدف الأصلي المقصود وليس افتراء على ما نظمه شاعر عبقري عن حاضرة العبقرية الشام.
ولأن الكون دائم الطلب من حضارة الشام (ارفعي صوتك، كي أراكي). تسأل الدنيا، تسائلني الشام: أين قصائد نزار؟؟ وأين صوت عز الشام فيروز؟؟ وأين ذاك الآذان يخاطب دمشق من مئذنة الأموي؟؟ أين أصداء أجراس كنائس الشام العريقة؟؟ وتلح الدنيا بالسؤال: هل يجوز أن تنقصوا من الشام صوتها، والزمن كما تقولون زمن الحرية؟؟
في آذان الأموي روح الشام. حيث يؤديه مجموعة من المؤذنين يمثل كل واحد منهم مذهباً من المذاهب الأربعة، وكأن هذا الآذان الجماعي من أعلى مئذنة في الشام وهو يدعوا الناس إلى الصلاة والصلاح والفلاح ويشهد الكون أن (لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله) يؤكد وهو يدعو إلى الله أن كل المذاهب وكل المؤمنين متحدون. وينادون للتطلع إلى السماء، بصوت متناسق متناغم متفاعل، وموجه إلى الجهات الأربعة المحيطة بدمشق، مركز الكون. هل من وحدة روحية حضارية إنسانية مؤمنة أكثر من ذلك؟؟ وهل من تناسق وتناغم وتفاعل بين كل المكونات أقوى من هذا؟؟؟ إنه اذان التوحيد والتناسق والإيمان الجماعي مع الاحتفاظ لكل بصوته ونبرته. فهل غريب أن نقرأ في الآذان مع الدعوة للإيمان والصلاة معاني الوحدة الإيمانية، الوحدة الوطنية، الوحدة الحضارية. وأن نقرأ فيه التطلع للأرقى والأسمى والأعلى.
أما نزار الشام. نزار قباني. فكان ك (ملبس) والده. لكن بدل الفستق الحلبي في النواة وضع نزار طعم خلود ندي. وبدل طبقة السكر التي تلف النواة نظم نزار إيقاعا يخلط صوت الماء بهديل الحمام وهدهدة الأم بصلابة الأب الحامية. نزار منذ بدء حكم العسكر وشعره ثورة. ومنذ بدء التسلط، كان نزار مواجهة مستمرة. ودائما كانت الشام نوتته وإيقاعه ولحنه. فكيف لا تستغرب الشام غياب نزار عن سمائها وهي تفرح وتستبشر بالمستقبل الشامي المضيء؟؟
وفيروز الرحابنة وسعيد عقل. فيروز ذاك الصوت السوري القادم من اصالة الحضارة السورية الموغل في الزمان، التي سجلت في أجواء الدنيا (ظمئ الشرق..فيا شام أسكبي… اهلك التاريخ من فضلتهم… ذكرهم في عروة الدهر وسام). ظلت فيروز منذ صدحت أول مرة، ظلت تعطي شام الحضارة بعض صوتها، وتغني لشام العز ببعض مجده، وترسم بصوتها شعرا شاميا يبرز ملامح حضارة هذه الحاضرة المأهولة بالعز منذ أول التاريخ. بعد كل ذلك ألا يحق للشام أن تسأل عن صوتها الملائكي، الذي غنى مجدها وترنم بعزها وأنشد تميزها.
مازالت الشام تسائلني عن نزار وفيروز وتلك الأجراس وذاك الآذان. ومازلت لا أجد جوابا!!!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة