شرفات

هل نحن طائفيون ؟

عماد نداف

عشت مع أبي أكثر من عقدين من عمري قبل أن يرحل عن هذه الدنيا، وفي هذين العقدين (الستينيات والسبعينيات) عاشت سورية صراعات سياسية معروفة يهدف أصحابها إلى الاستيلاء على السلطة، تحت شعارات مختلفة.

وفي المرحلة الأولى من حياتي، وعندما كان أبي ينصت إلى أخبار إذاعة لندن (البي بي سي) ويسمع تقريراً عن هذه الصراعات، كانت الإذاعة تختم بعض العبارات أو الأسماء بنعت طائفي، يضطرني لأسأل أبي عن معناه، فكان يشرحه بحيادية تامة ، لكنه كان غاضباً من محاولات الاستئثار الطائفي بالسلطة من قبل فئة عسكرية محددة .

ومع ذلك، لم نكن نعيش حياة طائفية، ولم يكن العامل الطائفي سببا في الصراعات، كنا نفهم الصراعات على أساس سياسي يرتبط بمشاريع مطروحة في المنطقة، وكانت الأجندات التي تطرحها الأطراف مبنية على هذا الأساس.

المهم أن الفكر السياسي السوري، ونتيجة الحكم العسكري الذي ظل سائداً، عجز خلال الحقبة الماضية عن إنتاج ما تحتاجه البلاد من برامج سياسية أو أحزاب جماهيرية تؤسس لجمهورية وطنية ديمقراطية تعكس هوية الشعب السوري الحقيقية بعيداً عن الطائفية والديكتاتورية والفساد السياسي.

ماتت الأحزاب، وتحولت الأحزاب التقليدية الموجودة إلى مؤسسات عاجزة، وتضاءلت وكادت تختفي، إلى أن وصلت الأزمة إلى عنق الزجاجة، ولم يكن هناك من يقود الناس إلى التغيير، الذي قاد الناس هم نخبة لم نكن نعرفها، فاجأتنا بأسمائها، وكان بعضهم أخوتنا وأصدقاؤنا وأولاد حاراتنا أو ضيعتنا ..

في آذار عام 2011 انطلقت الثورة العارمة بقيادة هؤلاء، وفاجأت قوة الثورة حتى السلطات الفولاذية التي تحكم البلاد، ورغم أن بعض المحللين وقتها فهموا الثورة على أنها جزء من ربيع عربي مخطط له ، فإن شعاراتها كانت تقوم على السلمية والسعي إلى التغيير .

مالبثت التطورات وردود فعل السلطات أن أكلت الأخضر واليابس، فقويت آلة القمع واستشرت القوى الأمنية ودفع الشعب السوري أكثر من مليون قتيل وعشرة ملايين لاجيء ومشرد ودمرت البيوت والمناطق والمدن ..

اليوم سقط نظام البعث، وسقوطه هز المنطقة كلها، وهذا السقوط لاقى تأييدا يكاد يكون جماعياً، وبرزت آمال كبرى، لولا المظاهر التي بدأت تتخوف من صراع طائفي قادم، فهل وقع بعض السوريون في الفخ التي جعل الشعب يدفع أثمانا باهظة.

أعتقد أن السوريين ليسوا طائفيين ، وقد أثبتت الطروحات السياسية للسلطة الجديدة رغم طبيعتها الدينية أنها تفكر بالدولة، وقد تجاوزت مرحلة الثورة، لذلك لا أرى أبدا أي جدوى من التخوف الطائفي ، فبلادنا قادرة على تجاوز كل المحن، لكن الشرط الأبرز لهذا التجاوز هو التدرب على الاختلاف في الفكر والسياسة ، والبناء على شعور وطني يحمي سورية من عواصف الزمن القادم .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى