مقترح نيابي يحرك المياه الراكدة في أزمة الودائع اللبنانية

مقترح نيابي يحرك المياه الراكدة في أزمة الودائع اللبنانية ….. اللجنة الثلاثية المكوّنة من وزير المالية ووزير الاقتصاد وحاكم مصرف لبنان تقترب من التوافق على قانون الفجوة المالية، للبدء في إعادة الودائع وإطلاق عجلة الاقتصاد.
تقدّم النائب فريد البستاني باقتراح قانون يهدف إلى تسوية أوضاع الودائع بالعملة الوطنية و”إنصاف أصحابها” من خلال تمكين المودعين من استخدام ودائعهم المحتجزة في المصارف لتسديد الضرائب والرسوم المتوجبة للدولة وفق “سعر صرف خاص” يوازي 20 في المئة من السعر المعتمد في السوق.
وينص الاقتراح على تحديد سقف سنوي لكل مكلف لا يتجاوز 100 ألف دولار أميركي، وتُطبّق هذه الآلية لمدة ثلاث سنوات، على أن تُخصّص الأموال المحصّلة حصراً لتقليص الدين العام الداخلي بالليرة اللبنانية.
وتعتبر أزمة الودائع المصرفية في لبنان إحدى أبرز وأعمق التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، وهي جزء لا يتجزأ من الانهيار المالي الشامل. وتتجسد المشكلة في عجز المصارف اللبنانية عن تسليم المودعين أموالهم بالعملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأميركي، نتيجة لعوامل متعددة ومعقدة.
وتنتشر التسريبات في وسائل الإعلام بشأن خطة إعادة الودائع وسدّ الفجوة المالية، تمهيدًا لإعلان بدء الخروج فعليًا من الانهيار الذي ضرب البلد واقتصاده منذ أواخر العام 2019.
وأشارت مصادر مطلعة أن اللجنة الثلاثية المكوّنة من وزير المالية ياسين جابر، ووزير الاقتصاد عامر بساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من التوافق على قانون الفجوة المالية، للبدء في إعادة الودائع، وإطلاق عجلة الاقتصاد.
وأشارت المصادر أن الخطة ترتكز على مبدأ أن لا اقتطاع من الودائع، سواء كانت كبيرة أو صغيرة. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن المبالغ الإجمالية التي سيتمّ دفعها، سواء نقدًا أو عبر السندات، ستنخفض من حوالي 82 مليار دولار (مجموع الودائع اليوم)، إلى حوالي 50 أو 55 مليارًا. وهذا الخفض سيتم وفق ثلاثة مبادئ أولها أن لا إعادة للودائع المشبوهة التي يعجز أو يرفض أصحابها إثبات مصدرها.
وثانيا أن إعادة النظر بحجم الفوائد المتراكمة لدى بعض الحسابات، والتي حصل أصحابها على فوائد مرتفعة جدًا، سيتم خفض هذه الفوائد، لتكون منطقية. وهذا الأمر سيُطبّق على الودائع الكبيرة، والتي يعتبر أصحابها بمثابة مستثمرين وليس مجرد مدّخرين.
والبند الثالث هو أنه لن تتم إعادة الودائع التي جرى تحويلها من الليرة إلى الدولار بعد 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، على أساس الدولار الفعلي، بل سيكون هناك “دولار” خاص لاحتساب هذه الودائع، لم يتمّ تحديد سعره بعد، ولو أن المداولات تتراوح بين 25 و35 ألف ليرة للدولار، بما يعني حصول المودع على نسبة تتراوح بين 27 و37 بالمئة من حجم وديعته.
وضمن هذه المبادئ، يعتبر المتفقون على الخطة أنه لا يوجد اقتطاع من الودائع، بل تصحيح أوضاع. إذ لا يجوز، على سبيل المثال، اعتبار تجميد دفع الودائع المشبوهة بمثابة اقتطاع.
وذكرت تسريبات صحافية أن المصارف رفعت مئات وربما آلاف الملفات إلى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، وأن قسمًا من هذه الملفات حولتها الهيئة بعد التحقيق إلى القضاء حيث بقيت في الأدراج، ولا تزال.
ويضيف المصدر أن هذا الواقع هو الذي دفع مجموعة العمل المالي (FATF) إلى التأكيد في تقريرها الذي أدرجت فيه لبنان على اللائحة الرمادية، أن مصرف لبنان والمصارف يقومان بدورهما في عملية الحوكمة والرقابة، وأن المشكلة تكمن في القضاء، حيث يتم تجميد دعاوى وملفات التبييض والفساد.
ويرى خبراء اقتصاد أن الحلول تركز على تحمل المسؤولية وإعادة الثقة في النظام. من خلال إعادة هيكلة المصارف إذ يجب فرز المصارف بين تلك التي يمكن إنقاذها وتلك التي يجب تصفيتها. فالمصارف التي تمتلك أصولاً كافية يمكن إعادة هيكلتها وتقويتها، بينما يجب تصفية المصارف الأخرى بشكل عادل، بحيث يتم توزيع الخسائر بشكل متناسب بين المساهمين، المودعين الكبار، والدولة.
كما يمكن إنشاء صندوق استرداد الودائع ويُقترح الخبراء إنشاء صندوق خاص، قد يتم تمويله من أصول المصارف وممتلكات الدولة، بهدف تعويض المودعين. وهذا الصندوق يمكن أن يعطي الأولوية للمودعين الصغار والمتوسطين، لضمان حماية الطبقات الأكثر ضعفًا.
ومن المقترحات تفعيل “الكابيتال كونترول” التشريعي، فبدلًا من القيود التعسفية الحالية، يجب إقرار قانون رسمي وشفاف لـ “الكابيتال كونترول” يحدد بشكل واضح سقف السحوبات والتحويلات، مما يمنع هروب رؤوس الأموال ويحقق قدرًا من العدالة بين المودعين.
ولا يمكن لأي خطة أن تنجح دون إصلاحات حقيقية في القطاع العام، مثل مكافحة الفساد، وإصلاح قطاع الكهرباء، وتعزيز الحوكمة الرشيدة. هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة ثقة المجتمع الدولي والمانحين، وهو ما يمكن أن يفتح الباب أمام قروض ومساعدات لتمويل خطة التعافي.
ميدل إيست أونلاين