‘سورا 2’ يثر الجدل بين التجربة الاجتماعية ومخاطر المحتوى الزائف

“أوبن آي آي” تطلق اداتها الجديدة لتوليد ومشاركة الفيديوهات بالذكاء الاصطناعي، بميزة لإدراج المستخدمين وأصدقائهم في المشاهد مما أثار إعجابا واسعا وأثار في الوقت ذاته مخاوف من استخدامات التزييف العميق وانتهاك الخصوصية.
أعلنت شركة “أوبن آي” الثلاثاء عن إطلاق “Sora 2″، النسخة الجديدة من أداتها لتوليد الفيديو والصوت بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب تطبيق اجتماعي يحمل الاسم نفسه، يتيح للمستخدمين إنشاء ومشاركة مقاطع فيديو مولّدة بالكامل بالذكاء الاصطناعي، في تجربة تفاعلية تشبه “تيك توك”.
التطبيق، المتاح حاليًا لعدد محدود من المستخدمين في الولايات المتحدة وكندا عبر نظام iOS، يُقدّم نفسه كمنصة اجتماعية قائمة على الذكاء الاصطناعي من الألف إلى الياء. وقد وصفه موقع “Wired” بأنه “تيك توك 100% بالذكاء الاصطناعي”، فيما اعتبر محللون أن الخطوة تأتي ردًا على إطلاق “ميتا” خدمة الفيديو الجديدة Meta Vibes، وكذلك على تحديثات يوتيوب الأخيرة التي أضافت أدوات لتوليد الفيديوهات بالذكاء الاصطناعي.
ويعتمد التطبيق على نموذج” Sora 2″ الذي قالت الشركة إنه أصبح أكثر التزامًا بقوانين الفيزياء، ما يجعل المشاهد أكثر واقعية وسلاسة. وشملت المقاطع التجريبية التي نشرتها الشركة لقطات لرياضات وحركات سريعة مثل كرة الطائرة الشاطئية والجمباز والتزلج، تُظهر تحسن النموذج في محاكاة التفاصيل الحركية.
وقالت “أوبن آي” في بيانها: “النماذج السابقة كانت مفرطة التفاؤل، إذ قد تشوّه الواقع لتنفيذ الأوامر النصّية بدقة، أما في Sora 2، فإذا أخفق لاعب كرة السلة في التسديد، سترتد الكرة عن اللوح الخلفي بدلًا من أن تختفي”.
ميزة “Cameo” بين الإبداع والجدل
ومن أبرز خصائص التطبيق ميزة “Cameo” أو “الظهور الشخصي”، التي تتيح للمستخدمين، بعد التحقق من هويتهم عبر تسجيل فيديو وصوت، إدراج أنفسهم داخل أي مشهد تولّده Sora. ويمكن أيضًا السماح للأصدقاء باستخدام ملامحهم وأصواتهم لإنشاء مقاطع تضمهم معًا، ما يفتح الباب لتجارب إبداعية غير مسبوقة — لكنه في الوقت نفسه أثار موجة من المخاوف الأخلاقية والتنظيمية.
فقد أشار موقع Numerama إلى أنّ هذه التقنية تجعل Sora 2 أقرب إلى مولّد شامل لمقاطع ديب فايك واقعية بالكامل، إذ يمكنها تقليد الوجه والصوت بدقة عالية. ورغم تأكيد الشركة أن وجوه الشخصيات العامة لا يمكن استخدامها دون موافقتها الصريحة، فإن محللين يرون أن مجرد إتاحة هذه الإمكانية للأفراد قد يؤدي إلى إساءات استخدام واسعة.
وقال المهندس في “أوبن آي” روهان ساهي إن التطبيق “يعتمد على نماذج تجعل من الصعب جدًا إنشاء محتوى ضار”، مؤكدًا أن الشركة تتبع “نهجًا محافظًا” في الإشراف والمراقبة.
منصة ذكية ومجانية… ولكن تحت الرقابة
تتيح المنصة للمستخدمين مشاركة مقاطعهم ضمن موجز خوارزمي على غرار “تيك توك” و“إنستغرام ريلز”، حيث تُبنى التوصيات على تفاعلات المستخدم وسجلات نشاطه وحتى على بياناته في “ChatGPT”، مع إمكانية تعطيل هذه الميزة. كما دمجت “أوبن آي” أدوات رقابة أبوية للتحكم في زمن الاستخدام والمراسلات، لكن مراقبين يرون أن فعاليتها ستعتمد على وعي الأهل بالجانب التقني.
وقالت الشركة إن التطبيق سيكون مجانيًا في مرحلته الأولى “حتى يتمكن الناس من استكشاف إمكاناته بحرية”، على أن تُفرض رسوم مستقبلًا على إنشاء مقاطع إضافية في أوقات الذروة.
انتقادات ومخاوف من فوضى “الذكاء الاصطناعي الاجتماعي“
لكنّ إطلاق “Sora 2” لم يمرّ دون انتقادات. فقد حذّرت تقارير في The Guardian وTechCrunch وThe Verge من أن المنصة قد تفتح الباب أمام موجة جديدة من “الفوضى الرقمية”، مع انتشار مقاطع مزيّفة يصعب التحقق من مصدرها، مما يهدد الثقة بالمحتوى المرئي على الإنترنت.
ووصفت بعض الأصوات التطبيق بأنه “الخطوة الأكثر جرأة – وربما الأخطر – في تحويل التواصل الاجتماعي إلى تجربة مولّدة بالكامل بالذكاء الاصطناعي”. ورأى خبراء في الأمن الرقمي أن خاصية “Cameo” يمكن أن تُستخدم في انتحال الهويات أو حملات التضليل السياسي، رغم إجراءات التحقق التي أعلنتها الشركة.
وكتب أحد المعلقين في موقع Reddit: “كنا نواجه مشكلة المحتوى الزائف من البشر، والآن سندخل عصر المحتوى الزائف من الذكاء الاصطناعي”.
كما أعرب باحثون في الإعلام عن قلقهم من غياب آليات فعالة للتمييز بين الفيديوهات الحقيقية والمولّدة، ما قد يعقّد مهمة الصحافيين وجهات التحقق. وطالب آخرون بضرورة وضع معايير دولية ملزمة لتصنيف المحتوى المولّد بالذكاء الاصطناعي على غرار التنبيهات الصحية في الإعلانات.
توازن هشّ بين الإبداع والمسؤولية
يرى محللون أن دخول “أوبن آي” عالم المنصات الاجتماعية يمثل تحولًا استراتيجيًا جديدًا في صناعة الذكاء الاصطناعي، لكنه يضعها في قلب معركة حول أخلاقيات المحتوى والمساءلة. فبينما يَعِد التطبيق بآفاق إبداعية غير مسبوقة، فإن قدرته على محاكاة الوجوه والأصوات البشرية تثير أسئلة عميقة حول الهوية والخصوصية والمصداقية الرقمية.
ولم تكشف الشركة بعد عن موعد التوسع الدولي للتطبيق، مكتفية بالقول إنها “تعمل على ضمان أعلى معايير الأمان والشفافية”. لكن مع تصاعد الجدل، يبدو أن “سورا 2” سيكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة التكنولوجيا على الجمع بين الخيال البشري والقيود الأخلاقية في عصر الذكاء الاصطناعي الاجتماعي.
ميدل إيست أونلاين