تتعدد أسماء الشيطان وأفعاله الحسية والمتخيلة وربما يتصوره أي واحد منا بطريقة مختلفة عن غيره، وقد تخيله بعضهم كصاحب وجه قبيح وهيئة قذرة ،يجر ذيله من خلفه، وكُتب عنه الكثير، وتطرقت إليه الأعمال الدرامية أيضاً.
في هذا السياق وخاصة فيما يتعلق بالعنوان قد يأخذنا الحديث إلى مسرحية الكاتب الإسباني إليخاندرو كاسونا التي تحمل عنوان ” الشيطان مرة أخرى” وتعتمد على الشعرية والحوارات الرشيقة والتي يقول من خلالها ما يريد بعيداً عن الفلسفة والتعقيد، ولا يكف فيها الشيطان عن الحركة والتنقل في أغلب مشاهد هذا النص، فهو قادر على التخفي ويمتاز بسرعة الحركة والرشاقة .
ما يعنينا من المسرحية هو فقط ما جرى في نهايتها حيث جمع الشيطان بين الأميرة وبين من أصبح قاطع طريق، ونقصد هنا الطالب الإسباني العاشق والمتيم بحبها، ومن دون أن يتنازل عن غوايته وكيده يسقي الطالب العاشق الشراب كي ينال من جسد حبيبته، ولكن الأخير يكتشف لعبة الشيطان، ويطلب من حبيبته أن تقيده ريثما ينتهي مفعول الشراب، ثم يمضي ليلة بأكملها حتى يتمكن من قتله، فهل انتهى الشيطان منذ تلك الليلة حقاً ؟
نعتقد أن الأمر ليس كذلك، وربما الإجابة تكمن في العنوان ذاته، فالشيطان مرة أخرى قد تعني فيما تعنيه أن هناك جولات كثيرة لذلك الذي يعتبر غائباً ودائم الحضور، ومن الناحية المادية لقد قُتل الشيطان والدم الذي ظهر على خنجر الشاب يثبت ذلك، لكن الأهم من ذلك حين يقول الطالب العاشق: خنقته. ثم يشير إلى صدره ويتابع : لقد خنقته هنا في داخلي.وهنا تكمن رمزية النص، وحين تدق الأجراس على غير موعدها تتجلى الرمزية أكثر حيث يرتجف الملك ويقول: الشيطان مرة أخرى.
قد تأخذنا سيرة الشيطان إلى رواية سورية صدرت منذ وقت غير بعيد تحمل عنوان ” وبينهما الشيطان” لمؤلفها الكاتب مقبل الميلع، ولسنا هنا في مجال المقارنه بين هذه الرواية والعمل السابق، لكنها تتجه نحو الفلسفة ولبها العميق، وقد دل الشيطان بطلها “كمال” على سبل ودروب كثيرة ليتدبر أمر نفسه وسبل عيشه، ولذلك نجده يرافقه إلى مطارح كثيرة ويدخل معه في نقاشات طويلة، وفيها تختلف جذرياً صورة الشيطان التقليدية التي تشتغل على التحريض والإغواء وإشعال الفتن وغير ذلك من المهام التي كلف نفسه بالقيام بها، وهذا دليل على منظورنا للأشياء، والزاوية التي نراها ونرقبها منها، ولذلك قد يرى بعضهم الخير في الشر، والدنيا لم تنته بحدوث ذلك الشر، ومهما تكالبت المصائب واشتدت الشرور، فهناك متسع من الأمل.
قبل الختام يبقي السؤال المراود للنفس والذي يقول مفاده: لماذا نحن في المجتمعات الشرقية وخاصة العربية منها، نهتم بأمر الشيطان ونأتي على ذكره كثيراً، بينما المجتمعات الأخرى لا تهتم كثيراً به، وربما تمر عليه مرور الكرام؟
بوابة الشرق الأوسط الجديدة



