البلد الأرقى
البلد الأرقى…
أذكر في زيارة لي لمدينة ” مالمو ” في السويد إنني كنت أبدو مأخوذا في كل مرة أتجول فيها وحدي أو مع رفاق بظاهرة غياب رجال الامن في الطرقات مما دفعني إلى سؤال أحد مرافقي العرب – المقيمين هناك – عن هذه الظاهرة فأجابني بأن رجال الأمن لا يظهرون كثيرا هنا و بالفعل لم أراهم إلا مرة واحدة في سيارة خاصة بالشرطة كانت عابرة ببطء ، و لمحتُ فيها وجوها لشرطة نسائية و رجالية معا وسمعت مرافقي يقول لي : ” هل رأيت أخيرا ما تسأل عنه ؟ الشرطة هنا خليط من الجنسين ولا نراهم عادة إلا عابرين في سياراتهم أما نظام السير فإن الناس وحدهم هنا هم الذين ينظمون السير ، من خلال تقيدهم التام بهذا النظام من دون وجود الشرطة التي لا تتدخل إلا إذا وقع حادث ما مخالف للقوانين و نادرا ما يحدث ذلك !.
أذكر أن نقاشا جرى بعد هذه المصادفة مع المقيمين العرب و آخرين من أهل البلد ، و لعل أهم ما سمعته في هذا النقاش قول أحد المشاركين في النقاش : ” النظام الحاكم الأرقى كما أتصور هو النظام الذي يشارك فيه المواطنون العاديون في الحفاظ على سلامة النظام في جميع مرافق الحياة العامة “. و بهذا المعنى نفهم أن رقي الأنظمة الحاكمة إنما يقاس من خلال إحساس المواطنين بعدم وجود حكومة إلا في الأحداث الكبيرة ، وأن تخلف الأنظمة يقاس من خلال شعورنا بأن النظام الذي يحكمنا يتدخل في كل الشؤون جماعية كانت أو فردية بحيث انه لا يترك للمواطنين أية فرصة للتواصل مع النظام الحاكم في بلدهم بهدف مساعدته على ضبط البلد .
بلى .. النظام الحاكم الذي يتدخل في كل الشؤون الخاصة والعامة هو النظام الإستبدادي الذي لا يسمح للمواطنين بالمشاركة في تسيير الأموربسبب احتكاره المطلق لأي تدخل في أمور الحياة المشتركة العامة .
و هكذا يبدو أن مفهوم الرقي لأي بلد من البلاد هو أن يشعر المواطنون أنهم أصدقاء للنظام الحاكم و ليسوا خصوما له وبالتالي أن يتصرف الحكام أنفسهم وكأنهم مواطنون كغيرهم وأن مسؤوليتهم الأساسية هي في إرساء الشعور المشترك بعقيدة واحدة أن الجميع حكاما و مواطنين أسرة واحدة …