حاييم برشيث زابنر: إسرائيل صنعها «جيش الدفاع»

 

حاييم برشيث زابنر مؤلف كتاب «جيش لا مثيل له: إسرائيل كيان سياسي ملحق بجيش الدفاع» (فيرسو بوكس ــ 2020)، هو سينمائي وباحث مشارك في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، ووالداه بولنديان من الناجين من المحرقة. يوثّق في هذا الكتاب بدقة نمو مجمع صناعي عسكري محرك رئيس للاقتصاد «الإسرائيلي»، مع عملاء في جميع أنحاء العالم ودعم كبير من الولايات المتحدة، لصالح جيش كيان العدو. كما يبين أن الدور المركزي لذلك الجيش يعني أن سياسة ذلك الكيان الاستعماري-الاستيطاني تحدّدها اعتبارات عسكرية، حيث يقوم كل حزب سياسيّ بتجنيد جنرالات سابقين مرشحين.

«جيش لا مثيل له» يوضح كيف صنع الجيش الصهيوني أمة/ شعباً ويتعمّق في فضح الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وعنفه، «لأن العنف العسكري عنصر واضح لأيّ استعمار استيطاني المشروع، ومن دونه يستحيل تأسيس الكيان الهدف».

يستطرد الكاتب بالقول إنّ الصهيونية ــــ قبل تمكّنها من اغتصاب فلسطين وتأسيس كيانها العنصري ــــ قد أصبحت بالفعل عسكرية، بما يتماشى مع استغلال الأساطير التوراتية لدعم اختراع «أمة». لذلك، فإنّ للعدوان جذوراً تاريخية وهو جزء من عملية مستمرّة. «لقد ولّدت العسكرة مصالح مادية لاستمرار الصراع في فلسطين، وأصبحت بالتالي عنصراً حاسماً في المجتمع الإسرائيلي»، بل إنّ الخدمة العسكرية تبدأ قبل الولادة، إذ يشير الكاتب إلى ملصق جيش العدو وهو يظهر جنيناً يرتدي خوذة عسكرية وهو ما زال في الرحم.

تُظهر نظرة على أصول جيش العدو كيف أدت التوصيات المبكرة بالعنف ضد الفلسطينيين كما أوضحها دافيد بن غوريون وزئيف جابوتنسكي إلى ظهور الجماعات الصهيونية شبه العسكرية، مثل الهاغانا والبلماخ، التي تم دمجها لاحقاً في جيش الكيان. وقد مهّدت سلطات الاحتلال البريطاني الطريق لرواد ذلك الجيش لأسس الإفلات من العقاب الممنوحة دوماً «لإسرائيل»، وتم اللعب على ذنب المحرقة الأوروبية، حتى عندما توصّل القادة الصهاينة في وقت سابق إلى اتفاقيات مع النازيين لتسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين. لذلك ليس من المستغرب، بالنظر إلى مركزية العنف في المشروع الاستيطاني الصهيوني، أن الجيش لا ينفصل عن وعي مجتمعه.

يستكشف الكتاب أنماط كيفية تطبيع «إسرائيل» للعنف، وغياب الحلول السياسية بهدف تعزيزه، وتطور الجيش والروابط بين الاستعمار الاستيطاني والعسكرة، وعلاقات القوة غير المتكافئة بين المستعمِر والمستعمَر، وتأثيرها العالمي من خلال المجمع الصناعي العسكري. بمثل هذا التأثير الواسع، يطرح المؤلف قضية التلقين السياسي والاجتماعي داخل الكيان. فالدعاية التي بالكاد تميّز بين الجيش والمجتمع، تولّد إفلاتاً إضافياً من العقاب يُلاحظ في أعمال الرقابة العسكرية لطمس أدلة الجرائم بحق الفلسطينيين، والمؤسسات المنشأة لحماية الجيش، فضلاً عن مشاركته في الأوساط الأكاديمية. «لم يكن الجيش «الإسرائيلي» أداة للحظة استثنائية من الحرب، بل كان المؤسسة الاجتماعية التأسيسية للدولة الجديدة، والضامن للهوية والوجود». ومع نسب هوية «إسرائيل» ووجودها إلى الجيش، فمن الواضح أن نرى كيف أنشأت الدولة الاستعمارية لنفسها هوية ملفّقة «ما بعد الاستعمار»، وقدمت رواية المظلومية تبريراً للاستعمار الاستيطاني الصهيوني بين مؤيديه. كان استعداد الصهيونية للحرب يتماشى مع خطط السيطرة على كامل الأراضي الفلسطينية، وعدم وجود معارضة شديدة من الدول العربية والمجتمع الدولي سمح بما يصفه حاييم برشيث بأنه «جريمة كاملة – جريمة بلا مجرم».

يقول الكاتب إن الجيش هو «مركز الوجود الإسرائيلي»، وهو ترتيب ينسبه في المقام الأول إلى دافيد بن غوريون الذي قرّر أن مهمّة تشكيل الأمة ذاتها تعود إلى الجيش.

يكتب برشيث زابنر أن الخدمة العسكرية في «إسرائيل» تبدأ «قبل الولادة»، و«الهيكل الاجتماعي بأكمله مُعسَكَر»، إلى درجة أن الجيش والأجهزة المرتبطة به تشكل «مجمعاً صناعياً عسكرياً اقتصادياً سياسياً»، إضافة إلى جانبه الأكاديمي حيث تتعاون سبع جامعات «إسرائيلية» ومراكز بحثية عليا معه ومع شركات إنتاج الأسلحة والتدريب، ما يخلق تواصلاً أمنياً سلساً. هذه حقائق تنفي الحجة التضليلية بأن مقاطعة مؤسسات كيان العدو الأكاديمية ترتقي إلى «مرتبة معاداة السامية/ اليهود».

حاييم برشيث يوضح أيضاً أن إرادة الفلسطينيين في البقاء على أرضهم أفشلت سياسات التطهير العرقي الإسرائيلية. لكن طالما أنّ «إسرائيل» قادرة على إبقاء الفلسطينيين بلا دولة، فإن الكيان الاستعماري ليس في حاجة إلى تنظيم نكبة أخرى بحجم عدوان عام 1948 لأن اتفاقيات أوسلو شكّلت الإطار السياسي الذي من شأنه أن يعمل لصالح «إسرائيل»، ليس فقط من حيث الاستيلاء على الأراضي، لكن أيضاً من حيث تمويل الاحتلال العسكري، الذي تم تركه للمجتمع الدولي. وبالتالي، فإنّ انتهاكات هذا الجيش مشروع مدفوع الأجر، باسم الرواية الأمنية «لإسرائيل» والتي تمكن المشروع الاستعماري من الاحتفاظ بحصانة. إن الاعتماد على تعاون السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، التي يمولها الاتحاد الأوروبي قد مكّن الجيش «الإسرائيلي» من ممارسة سيطرته على «الضفة الغربية».

قسم الكاتب مؤلفه إلى ثلاثة أجزاء هي: «حروب إسرائيل» و«الجيش والدولة» و«استنتاج: إسرائيل… إلى أين» تضم معاً 13 فصلاً، إضافة إلى ملحق بعنوان «هل يمكن أن تكون هناك إسرائيل أخرى؟» ويجيب بالنفي. ويوضح: «الصهيونية الليبرالية لم تكن موجودة قط ولا يمكن أن توجد. لا يوجد استعمار ليبرالي، وليس ثمة احتلال إنساني. كلاهما مخلوق من الخيال الصهيوني الليبرالي، حيث يعيشان مع وهم آخر من هذا القبيل، وهو «الاحتلال المستنير» الذي يفترض أنه أعقب حرب 1967. هذه الأشكال من خداع الذات هي محاولات لتبرير الفظائع المستمرة، والسماح للجناة ومؤيديهم بتشويه سمعة أي ناقد بنعته بأنه خائن». ويضيف القول: «إن الاقتناع والإصرار على أن اليهودية أمة وليست ديناً أو ثقافة، وأن عليها السيطرة على أراضيها القومية، وأن تكون الأغلبية فيها، وتقمع الجماعات الأخرى داخلها وخارجها، وتصر على التفوق العنصري وهو طريق الفصل العنصري تم السير فيه الآن لأكثر من سبعة عقود».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى