فن و ثقافة

دراما «يوتيوب»: «الشك» نموذجاً

تعيد شبكة «وطن» على موقع «يوتيوب»، بث مسلسل «الشك» (داوت/doubt) بإعادة تقسيم العمل إلى خماسية، بدلاً من ثلاثين حلقة طرحتها شركة «فيرجن للإنتاج الإعلامي» خلال شهر رمضان الماضي، كعمل درامي خاص بالعرض الرقمي، من بطولة الممثلين السوريين بسّام كوسا وديمة قندلفت وأحمد الأحمد وصفاء سلطان ومحمود نصر ودانا جبر وجوان خضر وزينة بارافي، عن قصة وسيناريو وحوار سيف رضا حامد، ومن إخراج مروان بركات.

يأتي خيار الوسيط الحديث منطقياً، في إطار تخطي عقبات التسويق التلفزيوني التقليدي، إلى جانب الاستفادة من «المنصة الجديدة» التي تسعى في خطوات متتالية إضافة إلى موقع «فايسبوك»، لأخذ حصة أكبر من شريحة «المشاهدين التلفزيونيين»، بخاصة عبر إنتاج واستحواذ برامج حصرية. في هذا الجانب يشرع «الموقع الأحمر» في تقديم رزم دعائية للمعلن تتوزع بين صفحاته والشاشة القديمة معاً، علماً أن نسبة المشاهدين للأخيرة من المراهقين تنخفض سريعاً، في بريطانيا هوت أربعين في المئة، ونسبة المشاهدين ضمن الفئات العمرية الأخرى ترتفع إلى معدل ساعة يومياً، وفق «أوف كوم» منظم الاتصالات في المملكة المتحدة. وخلافاً لشروط العرض التلفزيوني التي أصبحت شبه وضعية ومتعارف على أشكالها وبنيتها، لا تزال التجربة الدرامية الرقمية قيد التلمس عربياً، بشقيها الفني والتقني، إذ تحكمها معايير مختلفة كلياً، أحدها أن الفيديو الذي لا يشّد انتباه المشاهد في الثواني العشر الأولى يخسره، وفق موقع «أومنيكور» المتخصص بإحصاءات الإنترنت.

من الناحية التقنية، يتمتع الناشر أي شبكة «وطن» بخبرة رقمية، إذ يدير منذ سنوات عدداً كبيراً من المسلسلات السورية وقنوات شركات الإنتاج والممثلين على «يوتيوب»، على رغم صغر حجم عدد المنتسبين لقناته الخاصة، والمقدر بنحو أربعين ألف متابع. ويحاول العمل تضمن عدد من عناصر العرض الرقمي، بميزة العرض بدقة «ألترا أتش دي» أو ما يعرف اصطلاحاً بـ 4K. هذه النسبة تعادل أربعة أضعاف الكثافة النقطية الخاصة بأجهزة التلفاز التقليدية ذات الوضوح الكامل Full HD. وتختار الحلقات زمناً قصيراً في محاكاة لشرط «السرعة الإيجابية» والتصفح على المواقع، بأوقات تختلف وتتراوح من 5 إلى 9 دقائق من المحتوى الدرامي، الذي ألحق به في كل حلقة مشاهد عفوية وترويجية بقصد خلق التفاعل مع المشاهد، بتحقيق لشرط آخر.

يتيح هذا النوع من العرض خيارات تفاعلية عدة للناشر، والتي يمارس بعضها، كعرض الحلقة المقبلة قبل موعدها وعدم جعل الجمهور منتظراً، إذا ما حصدت سابقتها على عدد معين من المشاهدات، فوصل التفاعل عبر التعليقات إلى حد إعطاء النصائح حول شكل الحلقات ومرونة عرضها وبنيتها المؤلفة من الشارة والحلقة والمقطع الترويجي، ومشاهد من الحلقة السابقة وأخرى من الحلقة المقبلة. ولكن بالعودة إلى «مربط الخيل» بالعرض على موقع «يوتيوب»، يتبين أن عدد المشاهدات انخفض من نحو 750 ألفاً في الحلقة الأولى، إلى أقل من 250 ألفاً في الحلقة الأخيرة، ما يشير بوضوح إلى وجود خلل وخيارات خاطئة في الشق الفني أو التقني أو كليهما، بعد خسارة نصف مليون مشاهدة بين خطي البداية والنهاية.

ومن الناحية الدرامية التي تظل الجوهر أياً يكن الوسيط، فإنها تعاني من نقص في «التكيف» معه. بديهياً لا بد أن يختلف نص درامي واحد، ويخضع لتعديلات إذا ما انتقل من المسرح إلى التلفزيون، ومن الأخير إلى الموقع، لا سيما في حالة التخصيص لا الاكتفاء بالموقع كوسيط.

زمن الأحداث يقارب الساعتين ونصف الساعة، تبدأ بعيد زواج «ورد» و «ومي»، المشهد الأول، بكاميرا مهزوزة تعبيراً عن الأزمة، وتركز على اللعبة الثنائيات في اللقطات، وتعتمد لاحقاً لعبة المشاهد المتبادلة بنظام المربعات على الشاشة في توافق أكبر للبث الرقمي. يقدم لها خاتماً هدية المناسبة، تصفعه قائلةً: «طلقني أحسن إلك وإلي ولكل الموجودين. طلقني بلا ولا سؤال، عندي معلومات وأدلة إنك عم تخوني مع وحدة من هدول النسوان إذا ما بطلقني رح قول مين هي». يقع الطلاق ليبدأ الشك بالتصاعد بين كل رجل وامرأته، فيصبح سلوكاً عملياً يتواصل إلى التحقيق ونبش الماضي، والأخذ والرد وتبادل الاتهامات، لكل ما يمسكه على الآخر الذي لديه ما يخبئه. في المتن، ما هو أوسخ من الخيانة، الرجل الذي يمسك ما يعيّر به زوجته عند الحاجة، المرأة التي تتلقى هدايا وتخفي عن زوجها، الرجل الذي يعطي المرأة كل سبب للحزن والوحدة وفقدان شعور الأنوثة إلى أن تصبح ضعيفة وعرضة للخيانة.

في منتصف العمل تقريباً، تباشر حقيقة اللعبة بالتكشف ليتبين أن الأمر مخطط من أجل الانتقام من «الأصدقاء العقارب». هذا الانكشاف المبكر في السيناريو من دون استمرار أي تشويق أو شك بفشل مخطط «ورد» و «مي»، لكان مرّ بسلام في «سهرة تلفزيونية»، لكنه في عمل مخصص لـ «يوتيوب» يعتبر سقطة. وعلى المنوال ذاته، تتمتع الحلقات بتصاعد الأحداث في كل خمس دقائق وتنتهي بالتوطئة لحدث جديد، ولكن أحياناً بلا حدة، ونادراً بلا حدث. بالنظر إلى طبيعة الوسيط، دقيقة واحدة هي خمس الحلقة، فكل ثانية جامدة ستصبح حشواً، يزيد من سوئه الـ «فلاش باك». من حيث الأداء والكاستنغ، لم يلتفت صناع العمل إلى أن عدداً محدداً من الممثلين لم يتجاوز تسعة، وفي عدد مواقع معظمها داخلي ولم يتخط العشرة، كان مطلوباً مقداراً أكبر من التوازن، إذ في حين تكاملت ثنائية «ورد» و «مي»، وانسابت ثنائية «تامر و «نورا»، جاءت ثنائيتا «مهند» و «فرح»، و «جاد» و «ريما» أقل حرفية بسبب عدم التوازن في أداء الممثلين.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى