أحداث غزة تفاقم الغضب الشعبي على السلطة محمود عباس
عمقت التطورات المتسارعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة متاعب الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهوت بما تبقى له من شعبية لدى الفلسطينيين. وعادة ما يستحضر الشارع الفلسطيني الرئيس الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) في مقارنة شخصيته وسياساته ومواقفه بالرئيس الحالي محمود عباس. ويتصاعد الغضب الشعبي في الضفة الغربية ضد السلطة الفلسطينية على وقع أحداث غزة ، مع خروج تظاهرات تضامنية خلال الأيام الماضية مطالبة برحيل محمود عباس، خاصة بعد قمع قوات الأمن الفلسطينية لتلك المظاهرات.
أحداث غزة تفاقم الغضب الشعبي على السلطة محمود عباس
وتفاقم الغضب الشعبي القائم أصلا منذ سنوات مع صمت عباس بينما كانت غزة تتعرض لأعنف هجوم إسرائيلي. وسط انتقادات لموقف لاحق. اعتبر أن ممارسات حركة حماس وأنشطتها لا تمثل الشعب الفلسطيني. وهي التصريحات التي نشرتها وكالة ‘وفا’ الرسمية. وعادت لتعديلها بحذف نلك الإشارة.
أسباب تراجع مكانة السلطة الفلسطينية
وتراجعت مكانة السلطة الفلسطينية التي انبثقت عن اتفاقات أوسلو في العام 1993. والتي كان من المفترض أن تعمل على قيام دولة فلسطينية. الأمر الذي وصل إلى طريق مسدود منذ أكثر من عشر سنوات.
اتفاقات اوسلو
وبعد مرور ثلاثين عاما على اتفاقات أوسلو، توسّع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية. حيث ينفّذ الجيش الإسرائيلي بانتظام مداهمات دامية. وتتكرّر المواجهات بين الفلسطينيين والمستوطنين، فيما تتمسك السلطة الفلسطينية بحل تفاوضي.
الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول
ومع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إثر هجوم مباغت وغير مسبوق في تاريخ الدولة العبرية نفذته الحركة الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة منذ 2007، لم تتخذ السلطة الفلسطينية وعباس موقفا حازما وواضحا. على عكس الكثير من الفلسطينيين من المؤيدين وغير المؤيدين لحماس مما اعتبروه “هزيمة مذلة” ألحقت بإسرائيل.
وكان عباس قد أدان قتل المدنيين من الطرفين قبل لقائه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في عمان الأسبوع الماضي.
قصف المستشفى الأهلي العربي في غزة:
وبعد قصف المستشفى الأهلي العربي في غزة الذي قالت حماس إنه إسرائيلي، ألغيت قمة رباعية كانت مقرّرة في عمّان بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والفلسطيني محمود عباس والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
وقالت إسرائيل إن القصف نتج عن صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي. وحاد عن مساره. وتبنت واشنطن هذه الرواية قبل وخلال زيارة بايدن لتل أبيب وتبنتها كندا اليوم الأحد.
وقتل في قصف المستشفى 471 شخصا. حسب وزارة الصحة التابعة لحركة حماس. إلا أن مصادر استخباراتية غربية شككت بهذه الحصيلة.
وأدان عباس القصف وأعلن الحداد لثلاثة أيام وعاد إلى رام الله من الأردن، إلا أن المئات خرجوا مرددين شعارات تطالب برحيله ووقف “التنسيق الأمني” مع إسرائيل.
وقمعت قوات الأمن الفلسطينية التظاهرات بشدة، في خطوة أججت الغضب الشعبي ونالت من شعبية عباس المتدنية بطبيعتها بسبب سياساته وبفعل انقسامات داخلية.
إضعاف حركة فتح
ويواجه الرئيس الفلسطيني اتهامات أيضا بإضعاف حركة فتح منذ عزله القيادي الفتحاوي البارز محمد دحلان وهو القرار الذي زاد من حدة الانقسامات في الحركة. ويتهم شق من الفتحاويين كذلك عباس بالتفرد بالقرار بينما يفترض أن ولايته الرئاسية انتهت منذ سنوات لكنه لا يزال يقود السلطة بعد أن ألغى الانتخابات التشريعية والرئاسية بدعوى أن الاقتراع يجب أن يشمل مدينة القدس وهو أمر تعارضه إسرائيل.
ويرى المدير التنفيذي لمركز “بيسان للبحوث والإنماء” أبيّ العابودي أن الرئيس الفلسطيني “راهن على المجتمع الدولي والشرعية الدولية بأنها ستلزم إسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967 وتعطي الفلسطينيين دولة”. وقال “أثبت المجتمع الدولي أنه لا يكترث لدماء الفلسطينيين ومعاناتهم، وهذا طبعا سبب الغضب الشعبي”، فيما ترسخت قناعة لدى الفلسطينيين بأن لا فائدة ترجى من القوى الغربية المنحازة لإسرائيل وأن الرهان على دعم دولي للحقوق الفلسطينية المشروعة مجرد وهم.
“العودة إلى المواجهات و الانتفاضة المسلحة”
وقبل اندلاع الحرب، ذكر استطلاع رأي نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في سبتمبر/أيلول الماضي، أن 58 بالمئة من الفلسطينيين عبروا عن تأييدهم “العودة إلى المواجهات و الانتفاضة المسلحة”. مقابل 20 بالمئة يؤيدون المفاوضات. و24 بالمئة يؤيدون المقاومة الشعبية السلمية.
وبحسب الاستطلاع، يطالب 78 بالمئة من الفلسطينيين باستقالة عباس (88 عاما) الذي يترأس السلطة الفلسطينية منذ أكثر من 18 عاما. وانتهت ولايته في العام 2009. لكنه بقي في منصبه من دون إجراء انتخابات تطالب بها حركة حماس وشريحة واسعة من الفلسطينيين.
وطردت حماس حركة فتح من قطاع غزة في العام 2007. بعد مواجهات دامية بين الطرفين وتفرّدت بالسيطرة على قطاع غزة. وواجهت هي كذلك انتقادات بالتضييق على الحريات وقمع معارضيهاأيضا. إلى جانب اتهامها بفرض قيود اجتماعية صارمة.
ويرى الباحث المتخصص في الأراضي الفلسطينية كزافييه غينيار. أن المواجهات بين القوات الفلسطينية والمتظاهرين الذين رفع بعضهم أعلام حماس تؤشر إلى أن “السلطة الفلسطينية بنظر المتظاهرين باتت متماهية بصورة متزايدة. سواء من حيث عدم تحركها أو من حيث تنسيقها الأمني مع سياسة إسرائيل. بما في ذلك في أسوأ الأوقات كالوقت الراهن”.
وبحسب الباحث في معهد نوريا “ثمة حقا تنديد بأن عباس كان عاجزا على الردّ بمستوى ما يجري في غزة. وهذه حقيقة جلية”. وبالنسبة لهيو لوفات من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن السلطة “عالقة بين الرأي العام الفلسطيني وانتظارات الولايات المتحدة” ما أدى إلى “تجنبها اتخاذ موقف واضح”، مشيرا إلى أنها في وضع “تخسر فيه على جميع الجهات”.
وتشهد الضفة الغربية التي تحتلّها إسرائيل منذ العام 1967 منذ فترة تصاعدا في وتيرة أعمال العنف شمل عمليات عسكرية إسرائيلية متكرّرة ضدّ أهداف فلسطينية وتنفيذ فلسطينيين هجمات ضدّ إسرائيليين.
وبحسب لوفات فإنه “مع اتساع المزاج العام الفلسطيني الداعم للمقاومة المسلحة، تخاطر السلطة الفلسطينية بالانهيار إذا ظلت بعيدة عن الشارع الفلسطيني”.
وقال الشاب عمر الخطيب الذي شارك في تظاهرة دعما لغزة الجمعة:
“كما يواجه الناس الاستعمار في الداخل (داخل إسرائيل)، وكما المقاومة تواجه في غزة، لدينا نحن هذه السلطة نواجهها، لأنها ببساطة أداة الاستعمار التي تقمع الناس في الضفة”.
أما ثائر الشايب :
فيرى أن المطلوب من السلطة الفلسطينية أن “تدع الناس يقولون ما يرغبون بقوله على الأقل. نعلم قدرات السلطة الفلسطينية ولا نطلب منها الكثير. دعوا الناس يمثلون أنفسهم كما يريدون”.