الخدمة الإلزامية
ـ ثمة كتابة تعتبر تجاوباً آثماً مع المجتمع ـ
الخدمة الإلزامية
يقول “هربرت ماركوز”: ” إن المفكر شخص يرفض إقامة تسويات من المهيمنين” ، وفي نفس الوقت تكون إحدى مهمات المفكر جعل العالم أكثر قابلية للفهم. وبأسلوب قابل للقراءة … دون تنازلات لرعاع اللغة!
ثمة ، في التاريخ، شيء اسمه : “خيانة المثقفين”، والتي كان معناها في أوروبا، أواخر القرن التاسع عشر، وخلال المائة سنة اللاحقة، انحياز المثقف إلى الإيديولوجيا المهيمنة… البورجوازية.
وكما هو معلوم ليس هناك ما هو أسهل من “تبرير العاصفة” وأسبابها… حين تنهار أكواخ الفقراء في ضواحي المدن الغنية الأنيقة الهندسة… فالله، يبني ويهدم!
ولم يخل التاريخ أبداً من تبرير العاصفة، وعلى يد جوقة هنا وهناك، تنتج تبريراً للاستغلال تحت مسميات تقسيم العمل الوظيفي، الذي ينتج تراتبية طبيعية، وليس استغلالاً ممنهجاً.
في أيامنا ما أكثر المثقفين الذين يمشون تحت يافطات أنتجها زملاء، لهم تحت القباب الذهبية للقصور، مثل: العداء لأمريكا لا يعدو أن يكون ” تقدمية الحمقى” فالرأسمالية نظام تأسس ليترسخ، وفقراء العالم مجرد أضرار جانبية لنظام لا بد منه.
إن الحزام الإيديولوجي لليبراليين الجدد … لا يتمثل في مثقف هنا وآخر هناك، في هذه المرحلة أو تلك، فهذا عهد قديم لأدوار المثقف… وإنما هو الآن داخل معهد، ومركز، ومؤسسة، وكلها للبحث والدراسة والتشخيص، وإنتاج الخيارات. ولذلك تجد أن من المضحك انتشار هذه التسميات الرنانة لمدراء وهميين لمؤسسات وهمية، كلها تتعاطى الدراسات التي تسوق تهجين الاوهام .
وإذا كانت هذه الأشكال الليبرالية من “تعهدات” إنتاج النظريات، قد سادت منذ وقت طويل، وفي الأزمات الكونية. فإنها تكاثرت بعد أيلول الأمريكي. فلقد أعطى الرأي العام، دفعة واحدة، وبخسارة ثلاثة آلاف أمريكي، ضحايا أيلول، تلك الجرعة الكبيرة من تأييد مطلق لمن يحارب الإرهاب وبأية طريقة. شرط ألا نختلف على أن قيادة العملية لأمريكا “الجريحة”.
أول ضحايا هذه التعبئة هو الضمير، حتى الشخصي. إن الضمير الآن مجرد مفردة رومانتيكية لا قيمة لها أمام إجراء أمني قد يحتاج التضحيه بعدد من الأبرياء…. الضمير الذي يقرر أن ثمنك رصاصة أو فرنكاً.
هل يتنحى المفكر الحر، الذي لم تجنده دولة ولا مؤسسة ولا ملك أو ديكتاتور؟ يتنحى عن ذلك المقعد القديم؟ أن يكون أحد مكونات الضمير، وأحد رواد الكشف المتواصل عن زيف التعبئة في العالم حول هذا المعسكر أو ذاك؟
المفكر، حتى وهو ينتج أفكاراً لرجال سياسة ضعفاء الموهبة، من ذوي عروش الصدفة، يستطيع أن يؤيد قيام منظومة عدالة، لا تسمح بالمغالاة، على الأقل، في استلاب الإنسان… تهميشه وتدميره!
ويستطيع إقناع الحاكم بضرورة الحد الأدنى من الحريات التي هي منتج ضروري لصيانة الدول نفسها.
لكن، وكأنما القضية قدرّية إلى هذا الحد:
لا بد من خيانة المثقف، لكي تكتمل مصالحة الحاكم .
المثقف الذي أتم الخدمة الإلزامية للأفكار، مطلع الشباب، والآن جاء دور لقاء الكروش والعروش.
أما مفهوم الأوطان، بالمعنى العربي للكلمة، فهو مجرد ذاكرة إنشائية لعالم افتراضي !
10.05.2014