أفلام متوافرة أونلاين: فلسطين الزيتون… والبندقية
صحيح أنّ طرح الأفلام أونلاين كان خطوة التفافية على كوفيد 19 وزمن الحجر المستمرّ منذ أكثر من عام. إلا أنّه مع أول أيام العدوان الإسرائيلي على غزة، أُتيح للمشاهد أينما كان، متابعة آخر الإنتاجات الفلسطينية كما تلك التي تناولت القضية الفلسطينية، إلى جانب الاطلاع على أعمال قديمة، لتكوين فكرة عن هذا التراكم والاتجاهات الأسلوبية والمضمونية التي حواها. هنا نقدّم مجموعة من الأفلام المتاحة أونلاين
«المخدوعون» (1972)
توفيق صالح
لا يمكن لأي شخص قرأ رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس» (1963)، وشاهد فيلم «المخدوعون» (يقال بأنه أول فيلم روائي فلسطيني ـــ 1972) للمخرج المصري توفيق صالح (1926 – 2013) عدم ملاحظة الفروقات بينهما. هذه الفروقات لم تكن صغيرة، إنما في حيثيات القصة الرئيسية. كانت لتوفيق صالح رؤية أوسع لنقل الرواية إلى الشاشة الكبيرة، والأهم فهم أكبر ورؤية متطورة لروايات غسان كنفاني مثل «ما تبقى لكم» (1966)، «عائد إلى حيفا» (1969). لذلك لا يمكن فصل الفيلم عن هذه الروايات الثلاث ولو أنه مقتبس من واحدة منها. أسئلة الفيلم والرواية والفروقات بينهما والأجوبة موجودة في روايات غسان كنفاني المذكورة. مثلاً، مشهد الطرق على الخزان في نهاية الفيلم غير موجود في «رجال في الشمس» أو موجود لكن بطريقة معاكسة، ففي الرواية لا يطرقون على الخزّان. جواب هذا التغيير الأساسي والأسئلة المتعلّقة بالمقاومة وجدوى الطرق على الخزّان (الاستنجاد بالأنظمة العربية) لا يمكن حصره بالفيلم نفسه أو الرواية نفسها. يحكي الفيلم قصة ثلاثة لاجئين فلسطينيين، يحاولون السفر إلى الكويت بحثاً عن مستقبل أفضل. وكل واحد من جيل مختلف عن الآخر. في هذا العمل، يحاول صالح توسيع نطاق رواية كنفاني، التي تركّز على تبعات النكبة والخلفية السياسية المعاصرة. يقدم فيلماً يوجّه الاتهام الى الأنظمة العربية المتخاذلة والمنافقة، وحث الشعب على الانتفاض على الظلم السياسي والاقتصادي. «المخدوعون»، من أول الأفلام العربية التي تناولت مباشرة القضية الفلسطينية، فالسيناريو فلسطيني، والإنتاج سوري، والتمويل فلسطيني (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) والإخراج مصري. أما التصوير فكان في العراق.
«ليس لهم وجود» (1974)
مصطفى أبو علي
«اعتدنا أن نقول الفن من أجل النضال. الآن أصبحت، النضال من أجل الفن» قالها المخرج الفلسطيني مصطفى أبو علي (1940 ــ 2009) عندما سافر في رحلة سرّية لمشاهدة فيلمه «ليس لهم وجود» في عرضه الأول في فلسطين عام 2003. يومها، قام بعض الفنانين في فلسطين بـ «تهريب» أبو علي إلى صالة سينمائية في مسقط رأسه في القدس للمشاهدة. مصطفى أبو علي، يعدّ أب السينما الفلسطينية النضالية، أسّس قسم الأفلام في «منظمة التحرير الفلسطينية»، وكان الحجر الأساس في تطوير السينما الفلسطينية. «ليس لهم وجود» فيلم تسجيلي أُنقذ من تحت الأنقاض في بيروت عام 1982، ويقارب الأوضاع في مخيمات النبطية وعين الحلوة والرشيدية والبرج الشمالي في جنوب لبنان، وآثار القصف الإسرائيلي، وحياة المقاتلين في التدريب. الفيلم نفسه هو بيان ثورة لا يتعلق بفلسطين فقط، بل يربط القضية الفلسطينية بالنضالات الأخرى ضد الإمبريالية، «إنهم يستخدمون الأسلحة من أجل الجريمة، ونحن نستخدمها لتحقيق الحرية» يقولها أحد المقاومين في الفيلم. «ليس لهم وجود» هو رفض للادعاء الصهيوني بأن فلسطين كانت «أرضاً بلا شعب».
«طريق السموني» (2018)
ستيفانو ساڤونا
بين أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2008 ومنتصف كانون الثاني (يناير) 2009، أطلقت إسرائيل على عملياتها الحربية على غزة اسم «عملية الرصاص المصبوب». اتبعت وقتها استراتيجية حربية قديمة قدم تاريخ البشرية: سياسة الأرض المحروقة. دمرت، هدمت، حطمت، قطعت، قتلت كل مَن كان في طريقها. «طريق السموني» للمخرج الإيطالي ستيفانو ساڤونا يعيدنا إلى غزة عام 2009، بالتحديد عند عائلة السموني الكبيرة التي تعيش في حي على مشارف غزة. ساڤونا لا يريد أن يقدم شكوى أو وجهة نظر في الفيلم، بل ركز على من هم أصغر سناً، الأكثر هشاشة الذين ليس لديهم إجابات. يقدم ساڤونا أسلوباً مبنياً على الذكريات لإخبار ما حدث. في المشهد الافتتاحي، تخبرنا الطفلة عن شكل الحي الذي تعيش فيه، وكيف كان قبل ذلك اليوم. تتحدث عن الشجرة التي تسلقوا أغصانها ليأخذوا ثمارها. ووصفت مساحة بثلاثة أبعاد لم يبقَ منها شيء. تعيد بالذاكرة شيئاً فشيئاً بناء ما هدمه الاحتلال. يأخذنا الوثائقي بعد ذلك إلى اليوم التي تحتفل فيه عائلة السموني بزفاف. العائلة قدمت الكثير (28 شهيداً) وها هي اليوم تعيد إعمار الحي وزراعة أشجار الزيتون. لكن التحدي الأكثر صعوبة يكمن في هؤلاء الناجين الصغار. ينسج «طريق السموني» صورة لهذه العائلة قبل وأثناء وبعد الأحداث التي غيرت حياة أفرادها إلى الأبد. لا يستجوب ساڤونا العائلة، فالمأساة واضحة ولا يمكن إضافة أي شيء إلى قصة عائلة تعرّضت للإبادة. ركز على اثنين من الناجين: أمل وفؤاد ولدان صغيران يعيدان تشكيل ذاكرتهما المؤلمة. يسمح ساڤونا للصغار بالتكلم بينما يصور الحياة اليومية للعائلة التي تعيش في حالة خراب ولكنها تعيش، مثل غزة تماماً.
«جنين جنين» (2002)
محمد بكري
في نسيان (أبريل) 2020، اجتاح الجيش الإسرائيلي مخيم اللاجئين الفلسطينيين في مدينة جنين في الضفة الغربية، ودمّروه كلياً. استشهد أكثر من 70 شخصاً، ودُفن مدنيون أحياء تحت منازلهم المهدمة. خلال هذه العملية التي أسمتها إسرائيل «عملية الردع الواقي»، رفضت قوات الاحتلال السماح للصحافيين ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية بدخول المخيم. ظلت جنين مطوقة لأيام بعد الغزو. الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري كان من أوائل الذين دخلوا المخيّم بعد المجزرة وجمعوا شهادات شفوية من السكان. فيلمه «جنين جنين» يحكي قصة المخيم المدمر والناجين من المجزرة. للفيلم قصة طويلة مع المنع والرقابة في «إسرائيل». في مقدمة الفيلم، إهداء إلى المنتج المنفذ الذي اغتالته قوات الاحتلال في 23 حزيران (يونيو) بعد الانتهاء من تصوير الفيلم. يبدأ الوثائقي برجل أبكم يصف بالإشارات ما حدث، ثم بمناجاة رجل آخر «كل ما نبني عش بخربولنا إياه، كل ما نبني بيت بهدمولنا إياه، كل ما نخلف ولد بيقتلولنا إياه، شو ضللنا؟ قتلو الامل، قتلو زهرة الحب يلي بقلبنا. ليش قرارات العالم كلها بتتطبق علينا وعلى إسرائيل لا؟ وينك يا الله؟». صوّر الفيلم أحد أكثر فصول الانتفاضة الثانية إيلاماً، وهو وثيقة صلبة للإدانة. صرخة اتهام ضد وحشية محتل، فيلم يصرخ صراخَ بطولة الفلسطينيين تحت الأنقاض وغضب الناجين. شريط ليس اتهاماً لإسرائيل وحدها، بل لكل العالم وكل من شارك في السكوت عن هذه المجزرة. المشهد الأخير يصوّر الحالة المضحكة المبكية عندما يتظاهر رجل بالتحدث عبر هاتفه (شبشب بلاستيكي) مع جورج بوش، ويسأل لماذا رفض مجلس الأمن الدولي اقتراح تشكيل لجنة تحقيق في الهجوم الإسرائيلي على مخيم جنين للاجئين؟ ينقطع الاتصال بسبب نفاد الرصيد!
«أصبح عندي الآن بندقية» (2011)
بلال خريس
النقيبة أم ياسر، العقيد البحري أبو ربيع، المقدم أبو الهوى، العقيد أبو حرب. أربع شخصيات فدائية يدور حولها فيلم «أصبح عندي الآن بندقية». امرأة وثلاثة رجال يحكون تجربتهم الفدائية وكيف كانت الأيام وقتها. هؤلاء الفدائيون يعيشون اليوم في المخيمات، نضالهم انتهى ولكن أخبارهم لم تنتهِ ولا قضيتهم. نراهم في الوثائقي يتكلمون بحماس وشغف وحب عن قضيتهم، وإن أعطيتهم الآن بندقية سوف يكملون النضال. نسافر في الفيلم إلى الأماكن التي كانت مسرحاً لنضالهم وقتالهم، ونشاهد كيف كانوا يقومون بالتحضيرات لأجل عملياتهم البحرية.
«عيد ميلاد ليلى» (2008)
رشيد مشهراوي
إيقاع بسيط، مقنع، واقعي تسهل مشاهدته ويصل بإنسانيته المفرطة مباشرةً إلى القلب. «عيد ميلاد ليلى» للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي يعكس تماماً الشكل الذي يكون عليه يومك في فلسطين. يصوّر تعقيدات الحياة فيها، والواقع اليومي للسكان المحاصرين من قبل الاحتلال. أبو ليلى (محمد بكري) قاضٍ سابق، يعمل الآن كسائق سيارة أجرة في رام الله. يأخذنا الفيلم في رحلة معه في يوم واحد مميز هو يوم عيد ميلاد ابنته ليلى. ليلى اليوم تبلغ السابعة، وقد وعدها والدها بالعودة إلى المنزل عند الثامنة للاحتفال. ولكن يوم أبو ليلى معقّد، كما هي الحال كل يوم في مدينة رام الله. يقدم مشهراوي العديد من المشاكل التي تجعل الحياة تحت الاحتلال لا تطاق. يقدمها بروح دعابة ولكن من دون إغفال الواقع المرير، وبدون ادعاءات كبيرة. المسار اليومي لسائق التاكسي هو خيط مشترك لتصوير ثقل الإرهاق الذي ينوء تحته الشعب الفلسطيني. يُظهر مشهراوي التحديات ويصوّر الإعجاز الاجتماعي في كيفية مواصلة الحياة رغم أنّ كل ما يحيط بهذا الشعب هو ضد الحياة نفسها. «عيد ميلاد ليلى» فيلم ذكي حيوي مع لمحة درامية وكوميدية، سريع ومتواضع وإنساني. أبو ليلى هو فلسطين ينضح بالكرامة ولا يتزعزع رغم التعب الواضح في ملامحه.
«غزة تناضل من أجل الحرية» (2019)
آبي مارتن
لم توافق السلطات الإسرائيلية على أن تذهب الصحافية آبي مارتن إلى غزة، أثناء وجودها في فلسطين، لأنها بنظرهم «تروّج للدعاية الفلسطينية». لذا، عمدت الصحافية إلى تصوير فيلم عابر للحدود بمساعدة صحافيين فلسطينيين داخل غزة. صوِّر «غزة تناضل من أجل الحرية» في ذروة احتجاجات مسيرة العودة الكبرى. ماذا نعرف عن واقع غزة؟ هذا الوثائقي ينقلنا إليها وإلى ناسها ويخبرنا ماضيها وحاضرها، بمشاهد أرشيفية نادرة تشرح تاريخ فلسطين، ومقابلات مع ضحايا المجزرة المستمرة. تكبر آبي مارتن الصورة ثم تصغرها ثم تكبرها لإظهار حقيقة ونضال السكان الذي يقيمون في أكبر سجن على الكوكب، معزول عن العالم متعرّضاً لإبادة جماعية. «غزة تناضل من أجل الحرية» هو لائحة اتهام شاملة لقوات الاحتلال بارتكاب جرائم حرب، وتصوير للمقاومة البطولية التي يخطّها الفلسطينيون كل يوم.