احذر أن ترتدي ملابس بابا نويل مثلي !
احذر أن ترتدي ملابس بابا نويل مثلي !…. أنا رجل متزوج ، ولدت بعد وفاة أبي، لذلك أطلقت علي أمي اسم أبي نفسه، أي : نبيل، وأحيانا أخاف من اسمي لأن الإنسان قد يرتكب أحيانا شيئا ما، يوحي بأنه ليس نبيلا !
لا أعرف إذا ما كان سلوكي في ليلة رأس السنة يوحي بالنبل، ولكني مارسته بقناعة غريبة تشبه قناعة المقامر الذي يراهن على كل ما يملك دفعة واحدة. فقد استهوتني هالة منذ زمن طويل ، وهي فتاة تشبه الرائحة تفوح بسحر غريب يترك أثرا بكل من يعرفها حتى لو مرت في زحمة الحياة !
لم أكن قد رأيتها منذ شهرين أو أكثر، وكان علي أن أراها، فكل ماحولي يشتعل بآثارها ويحرضني على رؤيتها، وكل مافي داخلي يصرخ حبا لها، شيء واحد فقط كان يمسكني عن الذهاب إليها، هو عدم رغبتي بإحراجها، فهي فتاة مؤدبة تنتمي إلى أسرة مثقفة من نوع خاص لايمكنك إلا أن تأخذ احترام الآخرين لها بعين الاعتبار، إضافة إلى إحراج زوجتي التي لاتعرف ماحصل تلك الليلة.
كانت الأيام الثلاثة الأخيرة قد مرت ثقيلة مضنية مقلقة تشغلني بوسواس مشاهدتها ولو للحظة واحدة. كنت أراها في أحلام اليقظة. عندما أمشي في الطريق فتظهر هالة وكأنها ترافقني وأتحدث معها وكأني مجنون لأن صوتي كان مسموعا للمارة، وحديثي هو لفتاة غير موجودة .
وكنت أراها في نومي في حلم لايمكن تفسيره . كانت تركض فيه وتضحك وأنا أقف مدهوشا أراقبها من بعيد، أما عندما يأتي اسمها لسبب أو لآخر، فكنت أرتعش مثل طفل صغير.
اتخذتُ القرار، وكان قرارا صعبا وطفوليا في الوقت نفسه: لابد أن أراها. وجاءت الفكرة، فقد ترك عندي صديقي جاد ملابس بابا نويل بعد أن زارنا وقدم الهدايا لأطفالي الثلاثة وابنتي الرضيعة الذين فرحوا به ثم أرغموه على خلع البزة الأسطورية الحمراء التي تسحر القلوب في أعياد الميلاد ورأس السنة!
كانت ليلة باردة، والأضواء التي زينت حارتها كانت صاخبة إلى درجة الدفء. وضعتُ ملابس بابا نويل في سيارتي، وتجولتُ في المكان أرقبه بحذر، تماما كمجرم يدور حول مكان ارتكاب جريمته . فعليا خطر ذلك لي، فعدت إلى السيارة وترددت في تنفيذ تلك الفعلة الغريبة، إذ يبدو سلوكي شبيها بسلوك لص يود الدخول إلى بيت ما من الشرفة !
في السيارة زارني طيفها. جلستْ بجواري، بثوب رقيق لايناسب برودة تلك الليلة ، فأخرجتُ كيس ملابس بابا نويل ووضعته على ظهرها. التفتتْ إلي. كشفتْ ضحكتها عن أسنان بيضاء ناصعة . وفاحت منها رائحتها المعتادة التي جعلتني آخذ نفسا طويلا لأشبع منه !
عندما وضعتُ ثوب بابا نويل، وجدتُها تنسحب وتلوح لي بيدها لأصحو سريعا على وهم حضورها.. ضربتُ رأسي بمقود السيارة . ضربته مرتين. ثم فتحت زجاج الباب فهاجمني هواء بارد . باردْ جعلني أستعيدُ قواي ، وأقررُ : لابد أن أنفّذ مانويتُ عليه !
راقبتُ المارة من داخل السيارة، فإذا هم يغذّون السير كل إلى هدفه، وسريعا وجدت نفسي أرتدي ملابس بابا نويل، تعثر دخولُ البنطال الأحمر في ساقي لبقاء الحذاء في قدمي، ومع ذلك تم الأمر، وخرجتُ من السيارة بسرعة البرق عكس مايفعله سانتا كلوز العجوز!
غابتْ ملامحي بعد تركيب اللحية البيضاء وارتداء القبعة الحمراء. كنت أحمل الكيس على ظهري وقد وضعت فيه هدية رأس السنة الجديدة لهالة، وهي عبارة عن رسالة مختصرة صادقة !
قطعتُ الرصيف، ودخلتُ في بوابة البناء الذي يقع فيه بيتها. كانت الظلمةُ تخيم على البهو والدرجات التي تفصله عن الطابق الأول. لم يكن ثمة ضوء إلا خيط يرتسم على الجدار يأتي من الطابق الذي تسكن فيه . فكرتُ : ” سأقرع الجرس الذي معي عند الباب وعندما تفتحه وأراها أمامي سأهنئها بالسنة الجديدة ، وأقدم لها هدية الكيس الذي أحمله.. !”
صعدتُ الدرجة الأولى والثانية. ازدادتْ خفقات قلبي نتيجة التوتر الذي أصابني. أخذتُ نفسا عميقا، وتابعت الصعود والخفقان يزداد ، فبعد قليل سأشاهد هالة ، وأقدم لها الهدية التي تستحق، والتي غامرت من أجل إيصالها إليها بكل شيء !
لاح لي بابُ بيتها . وكانت تلك أصعب اللحظات، فقد تنكشف لعبتي كلها للجيران عندما أقرع الجرس، أو أنني سأكتشف أن ما أقوم به هو مزحة ثقيلة الظل، قد لايفهمها من يشاهدها ، وبخاصة أن كيسي لايحتوي سوى الرسالة التي أعددتها لها !
قبل درجتين من أرضية الطابق الذي تسكن فيه هالة، أحسست أن حركة ما تأتي من هناك. تقدمتُ بحذر. كان عليّ أن أحمل الجرس لأقرعه فأستكملُ خطتي . لكن يدي عجزتْ. أصيبتْ بالشلل ، أحسستُ أن هالة تحركتْ خلف الباب. نعم تحركتْ هالة . عرفتها من رائحتها التي فاحت فسحرتني وكشفتْ عنها بوضوح، تحركتْ ولم تفتح الباب !
توهج المصباح، فتقابلت وجوهنا. كأنها أرادت أن تكشفنا جميعا. ظهرنا بملابس حمراء تشبه ملابس سانتا كلوز، كنا أربعة أو خمسة. رأيتُ كل واحد منهم يضع كيسه على ظهره ويحمل جرسا بيده ، لم تكن الأكياس مليئة بالهدايا . كان كل كيس، يحتوي هدية شبيهة بهديتي التي وضعتها لهالة قبل أن أبدأ بتنفيذ خطتي!