نوافذ

الزمن… صغيراً

الزمن… صغيراً … “ستنتهي الحرب.

ويتصافح القادة، وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد، تلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب، وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل…

وأنا لا أعلم من باع الوطن، ولكنني رأيت من دفع الثمن”.

محمود درويش، ضيف هذا العالم الموحش، من فرط الأذى، كأنما ينهض من مخبئه في الحياة ليطلّ على مأساة السوري الذي، أصبح فلسطيني العصور الحديثة للجوء والنزوح وللخراب.

السطر الأخير يغلي في إناء الشاي: كل يوم أرى مَن دفع الثمن.

ـ نادي العكازات:

يضم مبتوري الأيدي والأرجل.

ـ أطفال الحاويات:

يبحثون عن شيء يؤكل… فيجدون أطفال بعمر اليوم والأسبوع، لقطاء أيام العتم الطويلة والمستمرة.

ـ ليالي العتم:

يقول أمين معلوف، وهو سمع الأنين: ” يجب أن نصمت عندما ينام الأطفال، لا عندما يذبحون”.

ـ أيام الحمير:

بدلاً من السيارات التي لم تجد البنزين، ولكنها طحنت لصنع المرتديللا.

ـ نادي مطاردة الموت:

أمشي في شوارع دمشق يومياً هرباً من الموت وفكرة الموت، أتحايل عليه في الهروب الذكي، كجندي نفذت ذخيرته وعليه أن ينجو مستعيناً بأداة النجاة الوحيدة… القدمين.

ـ في المقهى جلسنا في حضرة الحرب خلف نافذة المقهى نحن آمنون الآن. كانت تتحدث بلا انقطاع، وكنت أقشر الفستق السوداني وأتركه في صحنها. اليوم في المقهى فعلت الشيء نفسه ولكن دون فتاة تتحدث طوال الوقت… وأدركت أنها صارت في كندا، وأنا أستمع إلى ثرثرتها وأقشر الفستق السوداني للا أحد.

ـ قال للطبيب: لدي إحساس غريب في ساقي المبتورة. ليس ألماً وإنما تنميل وخدر وحكة ممتعة في نهاية المنطقة المبتورة.

قال له الطبيب: هذا نداء الحنين يصدره العضو رسالة إلى الجزء المبتور… الساق والقدم مجهولي الإقامة الآن.

في نادي العكازات تحوير لأغنية شعبية: ” يابو العكازة يابو العكازة…” يرقصون على إيقاعها دون أرجل وإنما بالعكازات، وفي مكان ما تضحك الأجزاء في المنفى.

الآن أكتب على ضوء الشمعة. لقد انتهت الحرب ولم تبدأ الكهرباء. كنت قد عدت في الساعة الثانية فجراً من رحلة بحث خائبة عن البنزين. فأنا بلا سيارة. ولا داعي للقول بأنني منذ قليل كتبت عن  “البلا قدمين”. أردت اختراع جملة ذكية، أكتبها، لكنني أحسست بفوات الأوان. كان ثمة فراغ يشبه الذهول، وفجأة… لا أدري من أين أتت، قل بزغت، كوردة بين الركام، هذه الجملة الساخرة المشحونة بفقدان معانيها:

“ينبغي أن تحب وطنك، مهما حاولت الحكومة عرقلة ذلك”.

لكن هذه الفكرة، لن تدعك تفرح بشعار صكته، مع الأيام، إرادة الحياة.

لكي تمضي إلى وصية الشاعر الروسي “يسنين”، الذي لم يكن سعيداً بجلالة قيصره:

“هنا يرقد شاعر أحب وطنه، كما يحب الحانةَ السكير”.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى