وصل المصطلحُ إلي وأنا أبكي. كاسرتُ أحاسيسي المشتعلة، وأنا أنصت إلى فتاة سورية وهي تقرأ نصاً قصصياً (عظيماً) اسمه (حلاق الحرب)، أرسله فلسطيني شاب اسمه علي أبو ياسين يعيش تحت وطأة الجحيم المشتعل في غزة منذ عملية طوفان الأقصى.
كنت أبكي لأن (المعنى) الذي وصلني من القصة ينطبق علي، فشعري أبيّض بالكامل، وإن كنتُ أخفف بياضَه بشيء من الصباغ الأسود ، فأبدوا متصابيا أحيانا وفي روحي حريق طويل لشيخ عاش المأساة والقهر على مدى سنوات العمر.
قصة (حلاق الحرب) قدمت كاتبها الشاب إلى مصاف الكتاب العظماء، لأنه أمسك في لعبة الزمن والمأساة والمكان من خلال تصوير خلاق للحظة الدهشة التي شعر بها بطل القصة عند الحلاق..
لقد قدم هذا القاص الفلسطيني الشاب، الذي يعيش في غزة ظروف حرب بشعة على إنسانيته، نصاً قصصياً رائعاً نجح في إشعال وجدان القارئ بمشاعر تليق بإنسانيته وحضارته .
فالشاب الذي يعيش الحرب ، كما جاء في القصة، لم يقبل أن تمعنه الحرب عن زيارة الحلاق، ذهب إليه رغم الدمار الذي ينتشر في المخيم، وعندما شرع الحلاق بقص شعره فوجئ بأن الشعر المتساقط من رأسه أبيض اللون، فصرخ بالحلاق : هذا ليس شعري !
لم يكن ينظر في المرآة منذ بدء الحرب، ربما لأنه لم يعد هناك مرايا، ربما لأن السنة التي مرت على الحرب أخذت الإنسان الفلسطيني إلى نمط لم يألفه من قبل، فأقلع عن النظر في المرآة.
كشف حلاق الحرب أن شعر هذا الفلسطيني الشاب صار أبيض، حولته الحرب إلى عجوز شاب شعره قبل الأوان، وهذه رسالة استنكار عالمية ضد الحرب، وهذه لحظة دهشة في كتابة النص الأدبي ينبغي البناء عليها..
نبهتني قصة (حلاق الحرب) إلى القصص الأخرى التي قرأها الكتاب الشباب في دمشق، في حفل منظم، ومن بين تلك القصص :
- غزة تشتاق للكاتب شجاع الصفدي .
- ولادة أيلول لأكرم الصوراني .
- الاستسلام لآلاء القطراوي.
- طريق المدرسة لخالد جمعة .
- السادسة وعشر دقائق لمريم قوش.
في سياق نقاش هذه القصص لكتاب غزة الشباب، التي جمعت من صفحاتهم على وسائل التواصل، وردت عبارة (الكتابة من المسافة صفر)، وهي عبارة اقتبست عن تجربة فدائيي غزة الذين يقاتلون آلة الحرب من المسافة صفر، لرد الغزو عن أرضهم .
ماذا تعني (الكتابة من المسافة صفر) ؟
بغض النظر عن اقتبساها من ملحمة القتال اليومي، فهي في لغة النقد، التماس مع الواقع، أي أن تكتب عن الحرب وأنت فيها، أن تكتب عن اللحظة وأنت تعيشها، أن تبني على الفكرة وهي تفرض نفسها عليك. وهذه العملية ليست عملية انعكاس فج وروتيني في لغة النقد، بل هي لحظة خلق وإدهاش في تجاوز المدهش ، لذلك سيقف الأدب طويلا عند قصص كتاب غزة الشباب، فهم يفتحون صفحة جديدة في الأدب، وكل الخوف أن تقتلهم الحرب قبل أن يستكملوا مشروع الكتاب العظيم الذي صدروه إلينا عبر وسائل التواص.
في هذه الحالة ، لابد من لحظة وفاء إلى الشهداء الأحياء وهم يدونون نصوصا خالدة سيقف عندها الأدب والنقد طويلاً، ومكمن هذا الوفاء في البناء عليها، البناء على مدرسة جديدة اسمها الكتابة من المسافة صفر!
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر