نوافذ

المثقف الخائن والكاتب الخائن أيضاً .. و” يا هملالي”

محمد الحفري

هناك صديق يقول لي دائماً: ” احكو مشان ما تحكمنا السلطة الجديدة خمسين سنة كما التي قبلها”

وأجدني أرد عليه بكل برود: ” الحكي بيخوف”

نحن لم نعتد على “الحكي” يا صاحبي، لأننا نخاف، والخوف يخوف كما يقولون.

” حتى أنت يا برتوس”

عبارة قد تتبادر إلى أذهاننا فور ذكرنا كلمة الخيانة.

لا نقصد في مادتنا هذه ذاك الخائن الذي يتعامل مع العدو كما المفهوم التقليدي للخيانة، وتلك مسألة نجد الآن في زمننا الراهن من يشرعنها ويجد لها الكثير من المبررات، وهي تبدأ كما يرى الكاتب ممدوح عدوان عندما نبدأ بتلوين أعدائنا، وقد صدق من قال: ” أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر”

في العودة إلى ذلك الصديق، فقد كان في أحاديثه يشتم الكثير من المثقفين، ويلحق بهم الكثير من الكتاب أيضاً، وكنت أصمت في أغلب الأحيان،لأنني أعرف بعضهم على الأقل، وكان يستفيض موضحاً الفارق بين المثقف، والكاتب، وبعض الكتاب حسب وجهة نظره  لا يمتلكون الثقافة وكل ما في حوزتهم هو تقنية الكتابة فقط.

وقد أردنا في هذه العجالة الإشارة إلى ندرة المثقف الحقيقي، والكاتب الحقيقي أيضاً، ونقصد بالندرة أصحاب المواقف الواضحة والصريحة، وخاصة في وقت الأزمات والمحن والشدائد والذين يقولون كلمتهم مهما كلف الأمر تجاه قضايا بلادهم، أو ما يمس إنسانيتهم.

أما المثقف والكاتب الخائن، فذاك الذي يخاف من قول كلمة الحق، وخاصة في الأوقات الصعبة، حيث تراه لائذاً في زاوية ما، أو لعله متحصناً في جحره من دون أن يجرؤ على الخروج منه ولو للتنفس وكي لا يختنق في مكانه، وقد تجنبنا كلمة الوكر لأنه أكبر من الجحر، وقد يكون واسعاً وفضفاضاً على ذلك الخائن الذي نقصده، وهو بطبيعة الحال ينتظر بفارغ الصبر كي ينضوي تحت جناح من يراه قوياً، وهذا بسبب جبنه وتعفنه، وقد يكون مرد ذلك إلى شخصيته الانتهازية التي تبقى لوقت غير قليل لاطية في مكان ما منتظرة الفرصة كي تكسب وتجني الأرباح، وهي بالتأكيد تعرف من أين تؤكل الكتف كما يقولون.

أذكر أن مجموعة من أعضاء اتحاد الكتاب العرب في سوريا قد تنادت لإصدار بيان يعترض على القرار الذي تم اتخاذه بشأن تسلم رئاسة الاتحاد ومكتبه التنفيذي، لتحل بدلاً عنه لجنة تسيير الأعمال، وهذا لا يجوز، لأن الاتحاد منظمة مستقلة مالياً عن الدولة من جهة، وقيادته منتخبة من قبل الأعضاء من جهة أخرى. المهم أن ذلك البيان كان متواضعاً إلى درجة لم يسمع به أحد، ومع أن السلطة الجديدة في سوريا لم تحاسب أي إنسان على رأيه فقد رفض بعضهم التوقيع عليه، وهناك قاص برر رفضه بالخوف من السجن، بينما الناشر الذي يجلس إلى جانبه أشاح بوجهه جانباً وكأن الدنيا ستقوم وتقعد لو وقع على ذلك البيان الذي لم يكن على القدر المطلوب من أصحاب الفكر والثقافة، وما حدث هو مثال بسيط يعبر عن واقع الحال.

في بداية مرحلة الشباب وقعت في يدي رواية “الآن هنا، أو في شرق المتوسط مرة أخرى” لمؤلفها الكاتب عبد الرحمن منيف وقد أعجبت بها أيما إعجاب، كما حفظت  الكلمات التي كتبها المسرحي سعد الله ونوس على غلافها والتي يقول فيها: “من صمتنا وضعفنا وتخاذلنا ينسج الجلاد سياطه، ومن صمتنا وضعفنا وتخاذلنا تغص بنا السجون”

لا شماتة في الموت ومن العار والمعيب فعل ذلك، لكني حزنت كثيرا حين سمعت أن ذلك الكاتب قد رحل عن دنيانا بعد أيام من التوقيع على ذلك البيان، وحسبت أنه رحل مع خوفه ومع رجفة أصابعه التي لم تستطع أن تحرك القلم، في وقت كان من الضروري أن تفعل ذلك.

ما نريد قوله في نهاية الأمر أن الإنسان موقف، وهذا يعني أنه سيرافقه طوال عمره، وقد تلحق به ألسنة الناس إلى القبر لأنه لم يقل كلمة كان يجب أن تقال وتكون في مكانها الصحيح، وربما من أجل ذلك قيل: الحب بريء من الخونة، وقيل أيضاً : ما أوضع الإنسان حين يخلع ثوب الوفاء ويلبس رداء الخيانة، ونحن نردد كلمتنا العامية الدارجة ونقول” يا هملالي” على المثقف الخائن والكاتب الخائن أيضاً.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى