المثقفون السوريون على «الفايسبوك»..الكلمات تقتل والصداقات تموت (سامر محمد اسماعيل)
سامر محمد اسماعيل
المعارك الدائرة بين مثقفي الداخل ومثقفي الخارج تتواصل باستمرار على هيئة اتهامات تتأرجح بين العمالة حيناً، وبين الانبطاح لنظام قمعي حيناً أخرى، حيث غالباً ما تنتهي حروب داحس والغبراء بين هؤلاء بالضغط على زر «بلوك» فيحجب المثقف خصمه بحذفه نهائياً من قائمة الصداقة الافتراضية، نهاية لمحاكاة قتل معنوي يُمارس على الملأ. الروائي خليل صويلح يكتب عن هذه المجازر الفيسبوكية على صفحته مفنداً الحالة التي وصل إليها بعض مثقفي بلاده: «هناك حرب لغوية أيضاً، أو أنها في صلب الحرب العمومية. البلاغة تندحر إلى الخلف بعناد ثيران الحراثة، تحت وطأة الوحشية. تعال يا رولان بارت إلى ساحة الحرب، على عجلٍ، لتفكيك شيفرات ما حدث ويحدث في خريطة الزئبق السوري. على الأرجح، فنحن نغرق في لجة الكتابة في درجة الصفر، وبتعبير أكثر دقة، ما قبل الكتابة؛ البهيمية التي تفترش سجادة اللغة، تنزلق تدريجاً إلى هباء المعنى. سيبويه نفسه، سيقف حائراً، في إعراب جملة سورية واحدة، نظراً لتعدد إحالات أسباب القتل والهلاك والفناء»
بعيداً عن الحرب التي تشهدها البلاد تدور رحى معارك المثقفين على صفحات الموقع الأزرق، حيث لم تكن الصحف وحدها من حفل باتهامات واتهامات متبادلة كالذي حدث مؤخراً بين المفكر جلال صادق العظم، والناقدة خالدة سعيد على صفحات جريدة «الحياة» حول موقف أدونيس من النظام السوري والثورة الإسلامية في إيران، بل اتسعت رقعة المعارك لتشمل مساحات الميديا المعاصرة، فالجميع يتذكر حملات بالجملة شنها مثقفون على الشاعر نزيه أبوعفش بعد إدلائه بحوار لـ«السفير الثقافي» قال فيه «المثقفون إذا واجَهْتَهم أوحِ لهم دائماً أن معك سلاحاً… سلاح السلاح أو سلاح الوقاحة والفجور والاحتقار». الناقد نذير جعفر كتب على صفحته يقول دفاعاً عن صاحب «ذاكرة العناصر»: نزيه أبوعفش…أين أنت لأقبّلك…ها هوالطاعون الظلامي الذي حذّرت منه قبل سنتين فشتموك!». الخلاف ذاته كان له وقع كبير حين هاجم الشاعر العراقي سعدي يوسف المفكر برهان غليون على إثر تولي الأخير لرئاسة المجلس الوطني المعارض، حيث كتب الناقد حسان عباس على صفحته في الفيس بوك: «ليس دفاعاً عن برهان، مع أنه صديقي؛ وليس استنكاراً للشاعر سعدي يوسف الذي كنا نتناقل يوما قصائده كمناشير سريّة؛ لكن أسفا على المثقف الذي لا يخجل من انحطاط قامته إلى مقام الشتم والسباب.عجبي كيف يرتضي شاعر بالسقوط بهذه السرعة من قمة أفنى حياته في ارتقائها».
أخي القتيل تحت التعذيب
الحدث الأبرز كان على «الفايسبوك السوري» الخلاف الذي فجّره مؤخراً النحات عاصم الباشا مع الأديب محمود عبد الواحد فكتب على صفحته يقول: «كانت مديريات ما يُعرف بوزارة «الثقافة» في سوريا شبه حكر على طائفة بعينها، وبعض النماذج منهم جديرون بالاحتقار ومثيرون للاشمئزاز؛ لذا ارتفع في تقديري الصديق محمد كامل الخطيب (الجدير حقًا بإدارة هيئة الكتاب) بعد رفض الأمن تعيينه وقبول الشيوعي السابق المنبطح والموالي محمود عبد الواحد». ليرد عبد الواحد على صفحته فيكتب الآتي: «للمثقفين دور مهم في التقريب بين الناس، وتدوير الزوايا الحادة، ولكن كثيرين منهم للأسف يلعبون دور النافخ على النار كي تشتد وتنتشر. من هؤلاء صديق لي قديم (أصبح الآن سابقاً بمبادرة منه) اسمه عاصم الباشا (النحات إياه أدركتهُ حرفة الثورة متأخراً؛ فعاد من إسبانيا التي يقيم فيها إلى سوريا، وانخرط في الأنشطة الثورية، ولكن عندما رأى أن الثمن سيكون فادحا على الصعيد الشخصي؛ قفل عائدا إلى إسبانيا، ليجلس على الفيسبوك وبيده كأس نبيذ ويطفئ غِله بتحريض العصابات المسلحة على قتال الجيش العربي السوري وقتل أفراده وكل من يناصره، وبتصيدنا نحن أصدقاءه القدامى، بزعم أننا كتَبة ومثقفون داعمون للنظام، وبرمينا بمختلف التهم والألقاب، ففلان انتهازي، وعلتان مرتزق، مع أن أحداً منا لم يسئ له بحرف.
عاصم الباشا استمر في هجومه العنيف على صديق عمره؛ ناقلاً معركته الى الأديب والسيناريست حسن م. يوسف معلقاً في ستاتوس آخر رداً على ما كتبه محمود عبد الواحد حيث اتهمه هذا الأخير بإغلاق صفحته في وجهه أي «حظره» في لغة الفيس بوك: «الطريف أنني لا أعرف كيف تُغلق الصفحات! واكتشفت صفحته يوم أمس ! وليسأل حليفه حسن م. يوسف ما إذا كان قد أغلقها في وجهي؛ وهدّدني عبر مراسلته المستعرب خوسيه ميغيل بويرتا: (قل لعاصم، أنه إذا أصابني سوء فلن يجد مياهًا كافية ليغسل يديه.
حسن م يوسف رد مباشرةً كاتباً في صفحته على الباشا: «يلومني بعض أصدقائي الأعزاء الذين لم تغيرهم التغيرات، لأنني لا أفضح افتراءات أصدقائي السابقين؛ تعلمون أيها الأصدقاء أنني لست من أكلة لحوم البشر، لذا لن أنهش لحم من ينهش لحمي! أو من أن الكذب حبله قصير، وحتى لو طال حبله فلسوف تدل عليه رائحة جيفته»! لكن عاصم الباشا مدد السجال فكتب يقول على صفحته: «في نيسان 2011، على الأغلب، دعيت مع زوجتي نيكول إلى بيت الصديق محزن الذكر حسن م. يوسف. حضر السهرة محمود عبد الواحد وزوجته. تبيّن معهم أن حراك درعا والمظاهرات خلفها العرعور، لكن موقفنا كان مغايراً؛ فكانت آخر سهرة. علّقت نيكول بعدما خرجنا: (دعونا لتطبيقنا) فكيف لا أُحبها؟» وأضاف النحات السوري في ستاتوس آخر معلقاً على صديقيه يوسف وعبد الواحد: جوابي … على عجل: «أنا عاصم بن عبد الرحيم بن حامد بن عبد الرؤوف الباشا/ السنّي بالتبعية المفروضة/ طائفي لأنني أهاجم انبطاح السنّي محمود عبد الواحد للسلطة المجرمة؛ فتدوير الزوايا الحادة تعبير مفضّل لدى حسن م. يوسف . كيف أدوّر زوايا قتيل تحت التعذيب ؟ كما جرى لأخي؟! .. ناهيك إلى ما تحمله الفكرة من نفاق !- تبيّن أنني النافخ على النار وليس ذاك الذي يرمي السكود على أهلنا؛ أو يقصفهم براجمات ابن إحمى صديقه حسن .. وبكلّ الوسائل؛ ما كنت أعرف أن العمى يمكن أن يصل هذا الحدّ.
كأنما الاصطفاف مع المجرم وتأييده ليس سببًا كافيًا؛ فأنا لم أستغل حزباً شيوعياً لأصل إلى موسكو، فزت بمسابقة قبل عهد صاحبه الوحش ! ولقد حُظر توظيفي لأسباب أمنية وهو نعِم بوظائف دولة .. وأنا أنعم بنفيٍ ذاتيٍ دام 26 سنة لرفضي صناعة أصنام لزعيمه!… نتبيّن من هذا أنني ثائر على النظام متأخرًا؛ أليس مقتل أخي تحت التعذيب فادحًا عند محمود عبد الواحد؟ والتهمة : مساعدة النازحين من حمص ! ثم، يا أيها المختبئ تحت جنح السلطة، أنا قضيت في البلد 13 شهرًا، أكثر من نصفها تحت القصف.. ولم أهرب إلى إسبانيا بدليل أنني عدت (مطلوبًا) إلى يبرود لأنقذ ما أمكن من أعمالي التي نقلتها إلى البلد لأشارك في ثورتها الثقافية، تلك التي تنازلت عنها مقابل السيارة والسائق وربطة عنق سخيفة. فأن يتهمك جبان بالجبن يذكّرني بالمعرّي؛ أما أن أجلس على الفايسبوك وبيدي كأس.. فهذا صحيح، كما الآن، وهي الوسيلة الأقل كلفة لديّ للتواصل، فأنا لا حق لي بتقاعد مريح مثلك».
الصداقة تموت
هذا الخلاف الدامي أثار مشاعر الحزن والرثاء عند الشاعر عادل محمود الذي كتب على صفحته على الفايسبوك معلقاً على أصدقائه: «هنا تعليقي على رسالة وداع مؤثره أرسلها صديق (متّهم) بالسلطة إلى صديق (متهم) بالثورة…والاثنان بريئان من التهمتين؛ شيء محزن ولكن يخطر لي: هل ، نحن وأصدقاؤنا ، كنا نغض النظر عن الجذري من العيوب في زمن الحب ؟ هل فحصنا صواب القلب؟ هل مرت المصالح بامتحان القيمة المعيارية؟ لا تحزن، فالصداقة يأتيها الموت، كما يأتي الموت إلى كبير الأساقفة!»
لتسهيل الهجوم على أي شخص ولتبرير الدفاع عن أي شخص؛ ثمة أبسط اختراع سوري للتدرب على الاختلاف: أنت مع من؟ الثورة أم النظام؟ في أوساط المثقفين السوريين- يكتب عادل محمود على صفحته: «المعارك بالكلام وحتى الآن ما يزال مشكوكاً بموقف ثالث أو رابع، جوهره: نحن نرى كم أن الطرفين قادة حصريون للجحيم». رأي يدعمه الروائي خليل صويلح بالقول: «الحبر المسفوح هذه الأيام، لا يختلف عن الدم المهدور إلا في اللون. هناك من يلطّخ الضمير بدم أزرق ..الأحمر والأزرق كلاهما شريك في الجريمة».
البارانويا الجماعية التي استولت على قطاع مهم من المثقفين جعلتهم يرون مشاكل المجتمعات العربية خارجية أي مجرد مؤامرات إمبريالية وصهيونية وماسونية؛ وليست مشاكل نابعة من تخلّف العقلية العربية والفكر العربي والاقتصاد والتعليم والمؤسسات العربية والقيم الاجتماعية والدينية السائدة التي شكلت جميعاً عائقاً مخيفاً ضد التقدم إلى معالجة المشاكل الحقيقية. كل من يشير بسبابة الاتهام إلى المشاكل الفعلية يوصم بالخيانة أو بالكفر لأنه لم يعو مع الذئاب. كلام العفيف الأخضر قبل انتحاره يستشهد به الروائي نبيل ملحم على صفحته، فيكتب صاحب رواية (بانسيون مريم) في ستاتوس آخر: خجلٌ مما يسمع من مثقفي استبطان الطوائف بديلاً عن الاوطان وإحلال روح القتل بديلاً عن ثورة العدالة والديمقراطية وتداول السلطة عبر نفيها؟ وأضاف ملحم: «نعذرهم وان كان الدم لا يعذر.. مثقفوالبيرة والفستق السوداني وحدهم انزلقوا إلى حضيض الطوائف.. نجّار سقبا ليس كذلك.. زارع المشمش في عربين مازال سورياً كما مشمشهِ.. ابن درعا مازالت تحدّه سوريا من كل جهاتها.. وكذلك ملح الساحل ورمله.. المثقفون وحدهم (واليساريون على وجه التحديد) كانوا أقرب إلى الوحل من سواهم.. مرة ثانية نعذرهم ولكن الدم لا يعذر»!.
أنظمة الاستبداد تبحث عن مثقفين تابعين ولا تجد إلا كسبة ومتملقين ولا يبدون للملأ سوى تابعين بالأحرى وحسب، ولا يغيثونها في شيء ثمة دينامية جديدة افتتحتها الثورات؛ الاهتزازات والتلعثم التي ما تزال جلية وشائعة في الثقافة العربية- يكتب الشاعر حازم العظمة على صفحته- «ظواهر لا بد أن تصاحب كل حركة كبرى في التاريخ؛ المحركات الكبيرة هي أيضاً تهتز عند إقلاعها قبل أن تدخل في انسجام ما وتناغم ما بين أجزائها». إلا أن الشاعر منذر مصري له رأي فيما يدور بين مثقفي بلاده؛ كانوا حتى الأمس القريب رفاق كلمة وأمسيات شعر وخمرٍ وحياة؛ حيث كتب ستاتوس قال فيه: «انشرخت سوريا.. وانشرخ السوريون.. أصدقاء حياة تفرقوا وتباعدوا.. وربما تعادوا وتباغضوا.. أنا الذي كنت وما زلت أصدق: (الصداقة وطن). رافضاً أن أدع خلافي مع أصدقائي في الآراء والقناعات وحتى في المواقف والاصطفافات السياسية التي وجد كل منا نفسه فيها، يعمل عمله بي ويجعلني أخسر أروع ما يمكن أن يكون حصيلة حياتي كلها» ويتابع صاحب (الشاي ليس بطيئاً): «كانت النتيجة خسارة قائمة ليست قصيرة من أصدقاء وأصحاب كنت أتوقع أن أتابع حياتي حتى نهايتها وأنا برفقتهم..لا.. المشكلة كانت، أشد جوهرية من خلاف في الآراء والمواقف السياسية.. فلطالما اختلفنا سابقاً ثم عدنا والتقينا. المشكلة كانت أننا لم نتشارك الأمل. المشكلة كانت أن بعضنا كان مع من يزرع الأمل ويسقيه والآخر مع من يدوس عليه ويقتلعه. لكن- ستفرع ستفرع .. هكذا هي عادة الأشجار»!؟.
المثقف يظنّ نفسه عبقرياً حربوقاً؛ مسيح الإنسانيّة على الأرض؛ يحبّ تسمية وإثارة الطوائف في كل حديث من باب «الحرص» عليها… التاريخ عنده متوقّف عند مرحلة معينة؛ ولا يعلم عن الناس سوى ما تقوله الشعارات؛- يكتب السيناريست علي وجيه على صفحته- ويتابع : «المثقف لا يعنيه من أوجاعهم سوى ما يناسبه؛ فهواجسه على الستايل الأوروبي؛ ولو لم يكن هناك أزمة في البلاد لنادى بحقوق المثليّين فيها مثلاً. عزيزي المثقف: والله يُمَل». بدوره الممثل والمخرج المسرحي أيمن زيدان يشرح وجهة نظره مما يحدث على الموقع الأزرق بين مثقفي بلاده: «لا أدري لماذا يتورط بعض المثقفين في قراءة الصراع السوري على أنه صراع تناحري لا ينتهي إلا بنهاية احد الاطراف …أليست واحدة من اكبر مسؤولياتهم أن يبحثوا عن إجابة أخرى يمكن لها ان توقف شلال الدم؟». ويتابع صاحب مسرحية «سوبر ماركت» من القاهرة حيث يقيم منذ اندلاع الثورة السورية: يزعجني إصرار بعض من يشتغل بالثقافة على إذكاء نار الصراع والإصرار على التجييش والتحريض؛ ولا أدري لماذا لا يسهمون في محاولة سحب الفتيل وإخماد الدم؟. ربما لم تعد آراؤهم مؤثرة بالشكل الأمثل؛ لكن على الأقل سيذكر التاريخ يوما أنهم كانوا أعداء الدم».
إضافة كلمات مثل طاغية ومخابرات واعتقال ومظاهرات وحرية، تستطيع أن تُنشئ مقالاً طويلاً في تمجيد قاتل وتبرير جريمته، هكذا كان يفعل كتّاب صحافة الطوارئ-يكتب الشاعر محمد دريوس على صفحته: «هكذا يفعل الآن ياسين حاج صالح ، ما الفارق ؟ لا شيء؛ أوتقريبا لا شيء، الثورة السورية ليست أكثر من قطعة جوخ جديدة وما أكثر المسّيحة» . ويتابع صاحب ديوان «ثلم في تفاحة طافية»: «في أغنية جديدة لسميح شقير عن الوحدة السورية في مهرجان أظنه بالقاهرة أسماها (سألت بياع العنب) نكتشف الوحدة الوطنية من خلال مائدة الطعام فقط ، التفاح دوماني والزيت إدلبي والسمن ديري والخضرة من حوران والسمك من الساحل ووو.. يعدد سميح أصناف الأكل ولم يتجرأ بالتأكيد على ذكر النبيذ السويدي ولا العرق الطرطوسي أوالمحرداوي طبعاً، لأن الحضور إخوان مسلمون؛ اذا كانت ترى الوحدة على طاولة الطعام (بلاها رفيق سميح ، ودورلك ع وحدة تانية) ، كأنك تتحول إلى (علي ديك) لكن برطانة ثورية»!.
الإنسان السوري ذكي جداً ويحمل مقدرة عالية على التلاؤم، هو مثلاً يقبض من الخليجي فيتكلم بلهجة الخليجيين كأحد أبناء نجد مثلا؛ أو قطر- يكتب دريوس على صفحته ستاتوس آخر: «يقبض من المصري فيتكلم كأنه الأبنودي أوساويرس، يقبض من الأميركي فيلوي بوزه كأنه أحد النيويوركيين الأصليين، اللهجة الوحيدة التي لا يعرف النطق الجيد بها هي السورية؛ ذلك أنه لا أحد يدفع له في سوريا، رغم أنه رفع عقيرته ملياً بحرف القاف، إلا أنه انتبه لخطأ الأمر وصحّحه، جمال سليمان بالمصري مثال لذيذ وحيّ جداً على ذلك».
المثقف الفتنوي
في الأمس القريب كان المثقفون السوريون على اختلاف انتماءاتهم يتبادلون الأنخاب؛ واليوم يتبادلون التهم والأحقاد والرصاص… بعضهم مخطئ بحق الآخر ولكن الجميع مخطئ بحق الوطن ما لم يرتقوا إلى الحوار من أجله وليس من أجل مصالحهم الخاصة وتبعياتهم وانتماءاتهم الضيّقة- يكتب الناقد علي وجيه على صفحته: «في الأمس كان هناك المثقف العضوي؛ اليوم هناك المثقف الفتنوي.. المثقف القاتل؛ أعتقد أنه سيغرق هذا البوكيمون بالدماء التي ساهم في سفكها… دماء أبناء بلده». إلا أن المخرج المسرحي مأمون الخطيب يرى في ستاتوس كتبه: على فكرة؛ في سوريا مجاهدو ومجاهدات نكاح فكري؛ العهر والنكاح ليسا بالممارسة الفيزيائية الجسدية فقط؛ العهر في الأفكار يكون هوالأخطر في أغلب الأحيان».
حالة الانقسام التي تشهدها صفحات المثقفين السوريين على الفايسبوك ازدادت ضراوة فيما بينهم بعد خلع الجيش المصري للرئيس محمد مرسي، لينفرط عقد جديد من الاتهامات بين مؤيد لحكم جماعة الإخوان، ومعارض لها، فها هوالمخرج السينمائي سمير ذكرى يكتب ستاتوس يرد فيه على المفكر ياسين الحاج صالح: «حيّرنا الأستاذ ياسين ومعه قادة ومثقفو ثورتنا الأكارم؛ سميته ضغطاً شعبياً هائلاً حذراً من تسميته بالثورة وانصياع الجيش لرغبة هذا الضغط الشعبي الهائل سميته انقلابا!!!.هل كان على الجيش أن يسلك سلوك الجيش السوري وينفذ خطة أمنية على الموضة السورية!؟..أنا متأكد أن جوابك هو لا….اذا ماذا تريدون؟!… أن يسافر مثقفو وسياسيو والقادة السياسيون المصريون الى اسطنمبول ليبحثوا عن ممول لعقد مؤتمر يتوصلون فيه الى تنظيم ينتخبون له رئيسا ومجلس رئاسة موزعا حسب حصة الممولين ومن ثم تدارس ماذا يجب أن يفعلوا تاركين شعب مصر لمصيره في الشارع!؟ إلا أن الحاج صالح يرد على صاحب فيلم «تراب الغرباء»: «على الأرجح، سيبقى الخلاف حول وقائع مصر اليوم لفترة طويلة، ومن غير المحتمل أن يجري توافق على تقييمه في أي وقت، لكن يمكن الإدلاء ببعض القضايا:
ما جرى هو انقلاب عسكري استفاد من ضغط شعبي هائل، لكنه انقلاب: وضع الجيش في موقع الفاعل السياسي الأول، والسياسيون كومبارس، وأغلق أدوات المنقلب عليه الإعلامية؛
في كل حال، ينبغي الفصل بين الموقف من وقائع اليوم وبين الموقف من الإخوان، فلا الرأي السلبي في الإخوان ينزع صفة الانقلاب عن وقائع اليوم، ولا الرأي السلبي في وقائع اليوم يعني انحيازا للإخوان»
الوقائع المصرية مثيرة معرفيا وسياسيا، وسيكون لها ما بعدها في مصر والعالم العربي، لكن ذلك حمل الناقد نذير جعفر على كتابة ستاتوس يشرح فيه كيل المثقفين السوريين بمكيالين إزاء الحدث المصري: «الغريب في الأمر أن كتّابا سوريين يمتدحون في ملحق (السفير الثقافي) اليوم جيش مصر الذي خلّصها من الإخوان؛ في الوقت الذي يقفون فيه مع عتاة الظلاميين الذين يقودون (ثورتهم) في سوريا! ليس ثمة فصيل ديموقراطي واحد على الأرض السورية يقاتل النظام السوري؛ ومع ذلك فما يصح بالنسبة لهما في مصر التي خرجت ضد الأخوان لا يصح في سوريا التي يواجه جيشها الجناح المتطرف التكفيري من هذا التنظيم الظلامي…»
صحيفة السفير اللبنانية