المشروع النّوويّ الإسرائيليّ والصّمت المطبق
حدة التصريحات الصهيونية في العام 2008 وقبلها، كانت توحي بأنَّ الضربة وشيكة للغاية، وها نحن في العام 2021، ما يؤكّد الطابع الابتزازي لطبول الحرب تلك التي لم يسمعها إلا الخائفون.
مقابل الضجَّة الإعلامية وما يرافقها من تحريض على المشروع النووي الإيراني السلمي، يسود الصَّمت المطبق في وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية وامتداداتها الرجعية إزاء المشروع النووي العسكري للعدو الصهيوني، فماذا عن هذا المشروع؟
1- بحسب كتاب “الخيار شمشون” للصحافي سيمور هيرش، وهو إعلامي أميركي نال سابقاً جائزة “بوليتزر” عن تقريره حول مذبحة ماي لاي في فيتنام، يرد أنه إضافة إلى الإعلانات الصهيونية نفسها حول تبرير المشروع بالرد على صعود حركة التحرر العربية بزعامة جمال عبد الناصر (صفحة 23)، فإن الهدف الحقيقي منه هو تعزيز التهديد والابتزاز الصهيوني لكل المنطقة وتطويع دولها وتحويلها إلى محيط تابع للمركز الإسرائيلي.
وقد أقيم مفاعل “ديمونا” الإسرائيلي في منطقة بئر السبع المحتلة بدءاً من العام 1958، قبل أن يبدأ إنتاجه الفعلي في العام 1968 (صفحات 47، 175)، واستخدمت أنابيب المياه والنفط التي أقامتها شركة “تاهال” كمخابئ للصواريخ النووية (صفحة 169).
2- رغم أنَّ فرنسا هي أول إمبريالية دعمت المشروع النووي الإسرائيلي، كما سنرى، فإنَّ الإمبريالية الأميركية دخلت بقوة منذ العام 1955، وزوّدت “إسرائيل” بمفاعل نوويّ (كتاب “الأسلحة النووية” – صفحة 31). وقد عززت واشنطن دعمها للمشروع الصهيوني خلال إدارات جونسون التي دعمت العدوان الصهيوني على العرب في حزيران/يونيو 1967، وإدارة الثنائي نيكسون- كسينجر (هيرش، صفحة 201)، وإدارة ريغان ومدير مخابراته وليام كيسي (هيرش، صفحة 14).
ومن أشهر العلماء اليهود الأميركيين الذين أشرفوا على المشروع، بيرغمان ولويس شتراوس (هيرش، صفحات 21، 22، 83). وقد أبدى بيرغمان اهتماماً مبكراً بحقول الفوسفات في المنطقة. يُشار كذلك إلى دور اثنين من الجواسيس اليهود، سواء في مد “إسرائيل” بالمعلومات أو في فضح المشروع نفسه.
وبحسب هيرش، كان بولارد يتجسّس لمصلحة “إسرائيل”، وكان يزوّد رئيس حكومة العدو شامير بتقاريره، إذ اتضح أنه، أي شامير، كان ينقل هذه المعلومات بدوره إلى المخابرات الروسية (هيرش، صفحات 273، 283). أما فعنونو، وهو يهودي مغربي، فقد فضح المشروع في لقاء مع “صنداي تايمز” في العام 1986 (هيرش، 191، 192).
3- بالنسبة إلى الدور الفرنسي، كانت البداية في العام 1949 مع زيارة البروفيسور الفرنسي بيران إلى “إسرائيل”، كما جاء في كتاب حسين توقه “الأسلحة النووية”، وذلك قبل إعلان رئيس وزراء العدو موشي شاريت التعاون الفرنسي الإسرائيلي في هذا المجال في العام 1953 وتوقيع الاتفاق في العام 1954.
وقد تطوَّر هذا التعاون بالتزامن مع الدور الفرنسي في العدوان الثلاثي (الإسرائيلي- البريطاني- الفرنسي) على مصر الناصرية في العام 1956. وكانت فرنسا في تلك المرحلة تحت سيطرة غي موليه والاشتراكية الدولية (الأممية الثانية)؛ خصم الأممية الثالثة الشيوعية.
4- من القوى الأخرى التي أيَّدت المشروع النووي الإسرائيلي ودعمته هي حكومة جنوب أفريقيا العنصرية قبل سقوطها، سواء من حيث تأمين “تل أبيب” باليورانيوم، أو بتوفير مجالات في المحيط الهندي لإجراء تجارب نوويّة، أو بعرض أسلحة نووية على جنوب أفريقيا (جريدة “الغد” الأردنية، 25 أيار/مايو 2010، نقلاً عن “الغارديان” البريطانية، وهيرش، الخيار شمشون، صفحات 254 / 255).
5- بموازاة تطوير العدو مشروعه النووي، نفَّذ أكثر من اعتداء ضد أهداف عربية وإيرانية، منها قصف أهداف سورية قرب دير الزور وأخرى في العراق (أوزيريك 1981).
إضافةً إلى كل ما سبق، لم يكتفِ العدو الصهيوني ببناء مشروع نووي مدجّج بالأسلحة التي تهدد كل المنطقة والسلام العالمي، بل راح يحرّض على المشروع النووي الإيراني السلميّ، بعد أن دمر المشاريع السلمية الأخرى في سوريا والعراق، فإضافةً إلى التحريض الدائم في التقارير الدورية لمؤتمر هرتسيليا الصهيوني، شهد العام 2008 تحديداً تصعيداً ملحوظاً للعدو على هذه الجبهة، من تحريض “معهد واشنطن” الخاضع للإيباك اليهودي ضد إيران، إلى ما كشفه باتريك سيل عن محاولة إسرائيلية لدفع بوش إلى توجيه ضربة عسكرية إلى إيران (جريدة “الاتحاد”، 23 حزيران/يونيو 2008) إلى تصريحات الجنرال الإسرائيلي سليع عن هجوم وشيك على الهدف الإيراني (جريدة “القدس العربي”، 23 حزيران/يونيو 2008، عن “معاريف” الإسرائيلية).
في المقابل، ظهرت أصوات تحذر من تداعيات مثل هذا التصعيد وخطورته وعدم جدواه، مثل تصريحات محمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (جريدة “الاتحاد”، 23 حزيران/يونيو 2008)، وأحد المؤرخين العسكريين الإسرائيليين، وهو مارتين كريفيلد، الذي حذّر من خطورة أية ضربة ضد إيران وتداعياتها.
وكما يلاحظ، إنَّ حدة التصريحات الصهيونية في العام 2008 وقبلها، كانت توحي بأنَّ الضربة وشيكة للغاية، وها نحن في العام 2021، ما يؤكّد الطابع الابتزازي لطبول الحرب تلك التي لم يسمعها إلا الخائفون.