الهروب من العالم الحقيقي …. الى العالم الافتراضي …..!!!
الهروب من العالم الحقيقي …. الى العالم الافتراضي من ظاهرة مخيفة بدأت تبرز اليوم في مجتمعاتنا العربية .. وهي الادمان على الانترنت ..
حيث في الوقت الذي كنا نقضي فيه أوقاتنا بصبحة الأهل والأصدقاء .. ويسرح أطفالنا ويمرحون سعيدين بألعابهم الجماعية وينتظرون بشغف ساعة برامج الأطفال المخصصة لهم .. كان الغرب يتنقل بين عيادات التحليل النفسي والمعالجة النفسية من مرض الانعزالية والوحدة والسمنة بسبب الادمان على التلفاز والانترنت والعوالم الافتراضية …!!
لنقع اليوم نحن فريسة هذا العالم المحدود بشاشة لا يتجاوز محيطها بضع انشات .. تنقلك الى عوالم لا محدودة تفسح مجالاً واسعاً للتعرف على العالم .. وتبادل المعلومات والخبرات والثقافات .. وتفتح ما يسمى حرية التعبير على مصراعيه بمأمن عن عيون الرقابة الأخلاقية والأهلية … والحكومية من ممارسة المحرمات .. الى اثارة الشائعات .. وتشويه سمعة الأخر .. والقاء التهم والتخوينات . تحت اسم مستعار وشعار الحرية ……….
أنظر حولي فأرى طفلاً بعمر الأربع سنوات يحمل جهاز الأيباد ويتعامل معه بمهارة تفوق مهارة أبويه .. ويقف مشدوهاً أمام شاشة التلفاز ليغادر لساعات الى عالم تصنعه هذه الشاشة الصغيرة .. تاركاً مجموعة قيمة من الألعاب والقصص مهملة في خزانة مغلقة لا يفتحها الا مرة كل بضعة أيام عند عدم توفر البديل الالكتروني .. ولتصبح الفتاة بعمر العشر سنوات تتباهى بنوع الموبايل التاتش أو نوع الأي فون الذي تحمله .. والذي بكبسة زر تصبح على أي موقع للتواصل الاجتماعي مع أصدقاء وصديقات يجمعهم معها صفة الوهم ..
وليصبح هذا العالم الافتراضي اليوم وسيلة التعاطي الوحيدة مع الواقع.. بغياب الحرية الحقيقية القابعة خلف جدران عادات المجتمع وتقاليده ، القائم على لائحة طويلة عريضة من الممنوعات والمحرمات .. وخاصة في ظل غياب الحرية السياسية القائمة على حرية الرأي والتعبير والمشاركة الفعالة الحقيقية في صنع القرار عن طريق المنابر العلنية الاجتماعية التي باتت تفتقدها بعض مجتمعاتنا العربية في ظل الاستبداد القائم منذ عقود ..تليه الفوضى التي خلفتها معارك التحررمن عقود الاستبداد وفوضى تخبط الحرية الرازحة تحت سقف العادات والفكر الديني .. ليظهر شكل جديد من القمع والكبت المتستر وراء حرية الأنا وغياب مفهوم الحرية الوطني الجامع ..
كما إن لجوء الازواج الى الانترنت اليوم لا يعد خيانة بالضرورة، بل قد يكون أحيانا تعبيرا عن الملل العاطفى والبحث عمن يملأ هذا الفراغ.حيث أن اختفاء لغة الحوار فجأة بين الزوجين قد تضطر احدهما الى اللجوء الى وسائل أخرى للتعبير عن النفس مثل الانترنت « هو يهرب الى المقهى أو رؤية الاصدقاء، وهى تنحصر اهتماماتها بجلسات صباحية او غيرها، ولكن هناك مهربا جديداً.
وقد كشفت دراسات حديثة عن وجود تأثير لوسائل التقنية الحديثة، على طبيعة العلاقة العاطفية بين الزوجين، وتحديداً عندما يلجأ الزوجان أو احد الطرفين الى المحادثة وغيرها من وسائل التسلية عبر الانترنت.وكما يعتبر الإنترنت أحد أسباب فقدان الحوار بين الطرفين، قد يكون السبب الرئيسى لانعدامه، فالثمار الأولى لضريبة الانترنت، غياب الحوار والحب.
وبحسب الدراسة، فإن الشريحة الأخرى المدمنة على الإنترنت هم أشخاص يعانون من العاهات الجسدية أو من مشاكل جنسية لا يبوحون بها فى الأحوال العادية، وأكدت الدراسة أن هذه الشريحة تكتفى بالبقاء فى العالم الافتراضى دون مواعيد للالتقاء الشخصي.
وفى النهاية، هناك دائماً ثمن يدفعه الناس نتيجة التطور المتسارع للتكنولوجيا بشكل عام وتكنولوجيا العالم الافتراضى للإنترنت بشكل خاص، هذا لا يعنى أن الإنترنت هو خيار سيء يجب العلاج منه والتوقف عن التعاطي معه بل على العكس هو نافذة للتطور والمستقبل والسعي للأفضل .. ولكن من الضروري التنبه الى أنه يتحول في خضم صراعنا مع الحضارة والتقليد الأعمى للغرب وشوقنا الى معرفة المجهول واختراق الممنوعات والمحظورات .. الى حالة من الادمان تتغلغل الى حياتنا العائلية والمجتمعية لتدمرها رويداً رويداً لنفقد بعدها السيطرة على أنفسنا وحياتنا وأولادنا … فالحياة خيارات، والخيار الأنسب هو أن نعي مشكلة عصرنا ونحاول علاجها والسيطرة عليها بدل أن تسيطر علينا .. لنؤمن جيلاً يتمتع بحرية التفكير بدل أن يتقولب في اطار شاشة صغيرة ترسل اليه كودات الانسان الآلي المبرمج … ليتحول مستقبلنا الى استنساخ أجيال لا تشبهنا ….. وما على الشخص سوى الاختيار.