‘ب ت ر’.. خلخلة قصصية للراسخ والمألوف
تقدم القاصَّة الأردنية سمر الزعبي في مجموعتها القصصية “ب ت ر” مجموعة من الرؤى الإنسانية التي تتنوع في طريقة وصولها إلى القارئ، فتبدو في ثوب اجتماعي واقعي حينا، وتنهل من الفانتازيا والأدب الغرائبي في أحيان أخرى.
وجاءت المجموعة الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان في 108 صفحات من القطع المتوسط، وسيطرت عليها ثيمة تشظي الأشياء التي تبدو واضحة لأول وهلة في العنوان المكتوب بحروف متفرقة، وفي الغلاف الذي اختيرت له صورة فيها مجموعة من الأحجار المتباعدة عن بعضها بعضًا.
وبدا في أثناء النص أن الكاتبة ثائرة على العالم الخارجي، وترغب في البحث عمّا هو جديد عبر مساءلة البديهيات التي اعتاد الإنسان على تقبلها دون تمحيص، فتقول في صفحة استهلالية سبقت قصص المجموعة: “تصور لو أن جهنم باردة”.
وتقول في نص اختارت أن تجعله على الغلاف الخلفي للرواية:
“هناك دودةٌ وحيدة -فقط- استطعمَتْ، فاستوطنتْ وقضمت ما تيسّر من اللّحم بِنَهم، ثم انكفأت تنتظر شركاءَ في المسكن، لكنّ أحدًا لم يعقبها، رغمَ أنّ الجثّة داومت على إصدار أصوات كلّما مرت دودة، وكانت تنتفضُ أحيانا، كي تجعلها تظنّ أنّها جثةٌ حيّة، دُفِنت حديثًا.
أُصيبت الدّودةُ بنوبات اكتئاب من الوحدة، فغادرت الجثّة، إلّا أنها لم تتكيّف مع الدّيدان في ما بعد، فقد عامَلْنَها معاملةَ كائنٍ مختلِف عمّا كانتْ عليه قبلَ أن تستوطنَ الجثّة، إذ نما شعرٌ على رأسِها، وأسفل بطنها بقليل.
قرّرت أن تكتشف العالَم الخارجي، وتبحثَ عن أنيسٍ أيضا، فشقّت التّراب نحوَ الأعلى، وصعدت إلى سطح الأرض، بكتْها الجثة وهي تسلك طرُقًا متعرِّجةً، متخفّيةً كي لا تسقط فريسة لكائناتٍ أخرجها الصّيفُ من مخابئها”.
وتبدو ثورة الكاتبة على الركون إلى الواقع في غير مكان من قصصها، وتتجسد عبر مشاهد فانتازية تطرح موقفا وجوديا من الحياة، كقولها في إحدى القصص:
“تزداد هذه المقبرة صخباً؛ يغادر بعضهم إلى ما تبقى من المدينة، ويحضر عدّةَ الشّواء ومُستلزَماتٍ أخرى، وقد يحضر معه المزيد من الموتى، يُحضِر موتى مقطوعِي الرّؤوس، مبتوري الأيادي، أو أي من الأعضاء الأخرى، فتُنبَش الحفرة، وتبدأ حملة البحث عن رأسٍ أو يد أو قدم، ثمّ تنتهي مراسيم الاستقبال بأن تُهدى إليهم الأعضاءُ البديلةُ رمزًا للتّرحيب.
لا شيءَ يعلو هنا على أن يمتِّعَ المرء نفسَه، لا أمرَ يغضبهم أو يبكيهم، مقتنعون أنهم عانوا كفايةً من قَبل، وأنّ لا شيء يستحقّ الغضب والحزن، لذا يسهرون، يأكلون، يرقصون، يثملون، ثمّ يضحكون. الفضاء رحب لهم، في ما لا تعدو -في نظري- عن كونها حفرةً عميقة تجمعنا معًا”.
وتسير المجموعة بأكملها على هذا النسق الذي يمتزج فيه العادي بالفانتازي، ويتخلخل عبره المألوف والمتوقع، ضمن قالب لغوي رصين، تتكثف فيه العبارات لتصل إلى غايتها بأقصر الطرق.
ومن الجدير ذكره أن سمر الزعبي حاصلة على شهادة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك، ولها مشاركات ثقافية في عدد من المهرجانات والمنتديات الثقافية كمهرجان جرش ومنتدى عبدالحميد شومان الثقافي.
وحصلت على جائزة رابطة الكتاب الأردنيين في حقل الرواية، المركز الثالث عن مخطوط “مدائن الندم”، وجائزة سواليف الأدبية في القصّة القصيرة، المركز الأوّل عن نص “عدسة”، وصدرت لها مجموعتان قصصيتان هما: “تنازلات” (2017)، و”شيء عابر” (2018).