بين العقاب و التسامح
العقاب و التسامح:
في يوم بارد وأنا أتأمل عبر النافذة مكانا قريبا تتلاقى فيه أربعة شوارع اختفى فيه شرطي المرور الذي ينظم حركة المرور ، قلت في نفسي لعل السبب هو الطقس البارد جدا و المطر الذي يتساقط و لا بد أن الشرطي قد تبلل كثيرا فأثر أخيرا أن ينسحب كي يختبئ من المطر في مكان ما قريب و لكن من سوف ينظم إذن حركة المرور الأن في غياب الشرطي ؟ و بالتالي من سيكون المسؤول عن اصطدام إحدى السيارات العابرة بسيارة أخرى ؟ المعنى قفز إلى ذهني هذا السؤال : أين الخير و أين الشر في هذا الحادث الشرطي الذي انسحب متخليا عن واجبه أم السيارة الطائشة ؟
في الوقت نفسه لمحت بعد قليل رجلا مسنا – كما يبدو – يترنح و هو يعبر المكان ، فإذا بدراجة هوائية تصدمه فيسقط الإثنان أرضا الرجل المسن و سائق الدراجة . و هكذا وجدتني من جديد أسأل نفسي : من هو المسؤول عن هذا الحادث ، سائق الدراجة أم الرجل المسن أم المطر ؟ و أين الخير من الشر في هذين الحادثين ؟!.
تركت النافذة أخيرا و أنا أفكر على النحو التالي : ليس من العدالة أن يبقى الشرطي تحت المطر في مثل هذا الطقس البارد كي نعتبره مسؤولا عن حادث الإصطدام لووقع فعلا فمن من السائقين إذن هو المسؤول الحقيقي عن الحادث ؟ و الحادث الاخر الذي وقع فعلا من هو المسؤول الفعلي عما حدث الرجل المسن أم سائق الدراجة في هذا الطقس الذي يحجب الرؤية بسبب المطر و بعض الضباب .. ما أصعب تحديد المسؤولية في مثل هذه الحوادث !!…
ها أنذا أغرق في التفكير بين الخير والشر والحوادث الشبيهة بالحادثين ، وبالحوادث الكثيرة الأخرى الشبيهة بالحادثين المذكورين ، و أجدني أمام معضلة تتأرجح فيها المسؤولية على من تقع فأكاد لا أميز بين ما نسميه خيرا أو شرا و كأنما حياة البشر مخلوقة أصلا من هذا الإحتمال أن الخير والشر عاملان متجاوران متساويان على الأغلب في معظم الأحداث ، و أن الشر بهذا المعنى يتساوى مع الخير في تحمل المسؤوليات ، ذلك لأن الحياة البشرية على ما يبدو لا يدرك مغزاها الباطن سوى خالقها حتى في كثير من الجرائم الكبرى حيث يبدو أن الغريزة المشبعة بحوافزها الداخلية تكاد وحدها هي التي تقرر من هو الذي يصنع الجريمة أصلا ؟ أو من هو الذي يمتنع أولا عن ارتكابها ؟ و هذا ما يدفع أحيانا بعض القضاة في تجنب أحكام الإعدام ذلك لأن حرمان أي إنسان من حياته جريمة أخرى تستحق العقاب ، و هذا ما يدفع بعض الدول إلى إلغاء أحكام الإعدام في قوانين العقاب لديهم ، و كأن الخير يختلط بالشر في معظم تصرفاتنا كبشر حتى انه يغدو من الصعب جدا أن يقرر الواحد منا أين الشر في أعمالنا و أين الخير كي نعاقب عليه أم نتسامح عنه …