يحظى «تاج» (كتابة عمر أبو سعدة ــ وإخراج سامر البرقاوي ـــ وإنتاج «صبّاح إخوان» ـــ بطولة: تيم حسن، بسام كوسا، فايا يونان، نورا رحّال، إيهاب شعبان، جوان خضر، كفاح الخوص، عبد الرحمن قويدر، أوجا أبو الذهب ـــ mbc1 و«الجديد») بحصّة وافرة من الاهتمام منذ بدء عرضه، بذريعة ما تحقّقه حلقاته من فرجة ممتعة، وصوغ مبهر للمرحلة التاريخية التي أشبعتها الدراما السورية سابقاً بالتجارب المتنوعة!
مع ذلك، يتمتع المسلسل بخصوصية عالية نظراً إلى عوامل عدة قد يكون آخرها الحكاية التي تنطلق منذ أربعينيات القرن الماضي في سوريا. التي كانت حينذاك تحت سطوة الاحتلال الفرنسي. وخصوصاً أنها تنجح في صوغ غلاف سياسي يمنحها بعداً توثيقياً وقيمةً تشويقية لقصة الملاكم تاج الدين الحمّال الذي قرّر الانغماس في النضال الوطني ضد المستعمر. مع جهد إنتاجي مبهر على مستوى الديكور والأزياء والعناصر الفنية التي بنيت خصيصاً، ورجّحت كفّة العمل على المستوى التقني. كما شكّلت قيمة مضافة للمادة الدرامية وضعتها في واجهة المشهد الرمضاني السوري. إذ برع الفريق الفني في استعادة تلك الحقبة المترفة بالغنى السياسي، وتعاقب الأحداث الاجتماعية الموازية في سوريا. بعد بحث واضح في المرحلة التاريخية، يقدّم العمل أرشفة ومزيجاً من توثيق وفرجة ممتعة للمرحلة الزمنية التي يقاربها وفقاً لوجهة نظر بصرية رصينة تنضوي على ملامح جمالية عالية.
تاج الدين الحمّال – تيم حسن
يدور الزمن المفترض للرواية التلفزيونية قبل سنوات عدة من استقلال سوريا عن الاستعمار الفرنسي، فيما الجوهر الحكائي هو «تاج الدين الحمّال» (تيم حسن) الملاكم الذي تنهال عليه الخسارات ليس في حلبة الملاكمة، إنما في ميدان الحياة.
خلافاً لقوته وتمكّنه من هزيمة أي شخص يواجهه في الحلبة، ونجاحه في الارتباط بفتاة أحلامه نوران (فايا يونان) وبدئهما رحلة تأسيس عائلة دافئة، من دون أن يتخلى عن انخراطه مع مجموعات سريّة وطنيّة تنفّذ عمليات نوعية ضد الاحتلال، ستكون نقطة التحوّل في حياته عندما يكلَّف بتصفية الجنرال الفرنسي الكبير «جول» وهو متنفّذ في دمشق.
لكنّ الخطة تفشل فتباغت القوّات المحتلّة الثوار الذين يتمكّنون من الفرار… لن يطول الأمر حتى يصل دخان الوشاية التي يشرف عليها رياض بيك (بسام كوسا) إلى مكان تجهيز المجموعة لذخائرها وأسلحتها وتتم تصفيتها لتوجَّه أصابع الاتهام إلى تاج كونه لم يكن حاضراً عند القوات الفرنسية المكان. اعتداده بنفسه ورفضه تهمة الخيانة، يجعلانه يأبى الدفاع عن نفسه أمام أولاد بلده ورفاقه في النضال.
انكسارات وانهيارات البطل
هنا تبدأ سلسلة انكساراته وانهياراته التي تستمرّ خمس سنوات. حيث نجده مدمن كحول ومقامراً يجرّ ذيول خسائره ومتورّطاً في تربية ابنته وحيداً بعدما تركته زوجته وارتبطت بالخيّاط الدمشقي الغني رياض بيك نفسه!
طبعاً السبب المطروح لانهزام البطل وترنّحه ليس مقنعاً، وليس مبرراً وافياً لتهاويه بهذا الشكل، إنما مجرّد انصياع حكائي بقصد إتمام القصة وتصعيدها نحو المطرح الذي تصبو إليه. كما أنّ عدم ترجمة الحوارات الفرنسية في الحلقات الخمس الأولى يعتبر هفوةً لا تغتفر.
ويبقى مشهد المواجهة بين الجنرال الفرنسي (جوزيف بو نصّار) والثائر السوري (جوان خضر) أفضل مشهد يقترح مواجهةً من هذا النمط رغم تكرار هذه المشاهد عشرات المرات في الدراما السورية.
مع ذلك، فهذه المرة وتحديداً في هذا المشهد، يدور الحوار بواقعية شديدة من دون شعاراتية أو مرافعات مجانية، بل يتحدّث الضابط الفرنسي من وجهة نظره كمحتل يعتقد بأنّه يقدم للبلاد التي يسطو عليها فناً وعلماً وثقافة وحضارة، فيما يبدو المناضل السوري الذي ينزف ويلفظ أنفاسه الأخيرة، مدركاً بأنّه لم يعد بإمكانه فعل شيء سوى المواراة على صديقه، ورمي السيجارة بوجه الجنرال قبل أن يموت.
صراعات سياسية و إنسانية وإجتماعية يوضع فيها البطل
على أيّ حال، سيوضع البطل في ازدحام صراعات سياسية دفع ثمنها باتهامه بالعمالة. وأخرى إنسانية جعلته يخسر زوجته التي ترتبط بغريمه، ثم طفلته الوحيدة. وحتى المهنية بابتعاده عن الحلبة والتمرين. وصراعات اجتماعية بضياعه على المستوى الحياتي وإدمانه الكحول والمقامرة وغرقه في الديون… كل تلك المعطيات ستخلق منه صورة مشوّهة أمام نفسه. يترجمها المنطق الإخراجي ببراعة في مشهد المرآة التي يكسرها تاج بيمينه، فتظهر صورته أمام عينيه وقد اعتراها التشوّه!
تخبئ كلّ حلقة حدثاً جسيماً يكون بمثابة مفاجأة للجمهور. ليذهب التعاقب المفترض للأحداث نحو الاحتمالات المتوقّعة لمثل هذه الحكايات. وإن كانت المعالجة مغايرة، والمعاينة البصرية تمنح الصيغة الدرامية ككل بعداً جمالياً. كما والعناصر الفنية توظّف نفسها في خدمة الفرجة والمشهدية الممتعة. فيما يبدو الشغل الهادئ على السوية الأدائية لجميع الممثلين سمةً ظاهرة.
هكذا. يطل تيم حسن كبنّاء أداء من داخل الشخصية نحو ظاهرها، يقدم أداء لشخصية معتدّة بعنفوانها وقوتها البدنية وإصرارها على التحدي. ثم يكسيها من الخارج ويزيد عليها طريقة مشي وحركات جسد تخصّ ملاكماً محترفاً دوناً عن غيره.
وكما العادة يزيد على أدائه مفردات تبدو مأخذاً عليه كونها مبالغات لفظية تبدو دخيلة على التركيبة الدرامية ككل.
ويمسك النجم بسام كوسا بإحكام بشخصية التاجر العميل إلى درجة تقنع مشاهده بأنّه خبرها وعايشها لزمن طويل. الحالة ذاتها تنطبق على غالبية الممثلين. فنرى كفاح الخوص كما لم تتح لنا مشاهدته من قبل. ويكرّس إيهاب شعبان ثقل حضوره مجدداً. وتسحب لويس قزق بمشاهد قليلة البساط نحوها. لتترك المتفرّج متعلقاً بها من ناحيتَي الدهشة التي تنضوي عليها شخصيتها وإمكانية المفاجأة في كلّ وقت. ومن ناحية المقترح التجسيدي، فيما تعد نورا رحال بالكثير من دون أن تبدأ اللعب الفعلي بعد!
صحيفة الأخبار اللبنانية