ليلة الخميس في دار الأوبرا، وعلى باب الحفل استعاض المايسترو سمير كويفاتي بدلاً من البروشور الخاص بألبوم «الوصية الأخيرة» وهو العمل الذي لحّنه ووزعه وكان آخر ما غنّته زوجته الراحلة ميادة بسيليس (1967/2021) وتوّزع بين مزامير وأدعية وترانيم مشروحة بصوت الأب إلياس زحلاوي ثم مغناة بصوت ميادة.
الترانيم هي ذاتها التي خشع الحضور عليها عندما كان ترتّل بصوتها في مجلس عزائها. الليلة التي خصصت كي تحتفي بتاريخ المغنية السورية في الذكرى الأولى لرحيلها أحيتها أربع مغنيات وهن: شهد برمدة، سناء بركات، نانسي زعبلاوي، وليندا بيطار مع الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله. وقد تناوبت المغنيات السوريات على أداء أشهر أغنيات الراحلة.
بالفعل كلّ ما في الأمسية كان يخصّ ميادة بسيليس ما عدا حضورها… الوجوه مألوفة في غالبيتها وقد اعتادت حضور حفلاتها. صوت باسل محرز في التقديم يعني بأن أهل البيت أولى بالحفاوة بنجمته. صورها المعلّقة بعناية في عمق المسرح، والفيديوهات المصنوعة كخلفية بصرية بصيغ تعبيرية قاسية كأنها تريد لنا مزيداً من الحزن. سمير كويفاتي الذي يجلس بين المتفرّجين محاطاً بالأصدقاء لكنّه يبدو وحيداً تماماً وتائهاً بدونها.
كأننا بالضبط في ليلة من تلك التي كانت تحلّق فيها بصوتها الرهيف في كلّ مكان، لتطرب الجميع. وعندما تسلطن يمكن لها أن تتحرك قليلاً على المسرح، برصانة تشبه جيل الكبار! سرّ بسيليس في حضورها الخفيف الذي أكملته برحيلها المبكر لتظلّ كأنها تمثيل دقيق لما قاله الخال عبد الرحمن الأبنودي في أشهر قصائده «اللي تخطفوا فضلو أحباب… صاحيين في القلب كأن ما حدّش غاب».
كانت الأوبرا تتمايل على هواها. أغانيها وجمهورها وعائلتها وأصدقاؤها. كان قدّاساً فنياً مهيباً، ولو ظلّ الأداء الغنائي بعيداً عن روح ميادة وأسلوبها وهويتها، عدا عن ليندا بيطار التي برعت في أداء أغنيات الراحلة خاصة في أشهرها «كذبك حلو». بعد الانتهاء من برنامج الغناء، صعد سمير كويفاتي للمرّة الأولى على المسرح. تحدّث إلى جمهورها كأنه يريد الاعتذار عن غيابها، قبل أن يلوذ بالبيانو، ويعزف مثل من يعيد اكتشاف موهبته للمرة الأولى، فيما أدى أحد شباب الكورال أغنية كتبها الصحافي هيثم حسن من وحي حديث كويفاتي عن شريكته في أحد اللقاءات التلفزيونية التي أجراها أخيراً وتقول في مطلعها: «حلوة الأناقة بالحزن والكفن فستان حلوة الكواكب تجتمع لتوّدع الإنسان».
كلّ شيء كان مرتباً ومبهجاً، ما عدا غياب نجمة الحفلة! الأمر كان كفيلاً بأن نغادر مبللين بشعور الفقد، تماماً كما لو أننا حضرنا خيمة عزاء لا حفلة موسيقية!