رامي زكريا : الطفل المشاغب حتى الموت!
في البداية، نجا صديقُنا رامي زكريا منّا، لأنه لم يسمع لنا بأن الأحلام تموت!
خفتُ عليه وعلى حماسة قلبه، لكنه لم يخف. ولأن حلمه كان حلم أطفال يكبرون بسرعة مات طفلاً، لذلك أقول له، وقد أصبح في الحيز الضيق من تراب النهاية المقيت:
ــ رامي، لك الله .
كان حلمه وقّاداً إلى درجة الفوضى، فصادقنا رغم أنه كان (ولداً) في مطلع الثمانينات، وكنا شباباً في أول طريق أحلامنا التي تحطمت. تشارك معي بإمكانية أن نحلم كثيراً، وظل ذلك الاتفاق سارياً إلى أن لوى الزمن أذرعنا في السنوات العشر التالية لذلك التاريخ، فبدأ زمن آخر تحولنا فيه إلى بشر نأكل ونشرب ونقرأ أحيانا، لانعارض بائع الخبز عندما يطلب منا الانتظام في الدور، ولانعارض الشرطي وهو يصرخ في وجوهنا!
كنتُ صادقاً معه عندما نضج، فصارحته بأني أتشارك معه بإمكانية أن نحلم كثيراً، و لا أتشارك معه بإمكانية تحقيق الحلم، وكان ينصت مدهوشاُ إلى يأسي واستسلامي قبل أن يمضي خجلاً !
كان رامي زكريا شغوفا بالحلم والفرح والمغامرة، وكنت قد خطوت خطواتي الأولى نحو اليأس والاستسلام بقرار نهائي. أمضيت معه ثلاث ساعات في أول أيام خروجي من السجن، وكان واثقاً من المستقبل، وكنت يائساً منه، وعندما انتهت تلك السهرة، قررت أن أقاطعه، فالفرق بيني وبينه، كان كالفرق بين الماء والنار، أي أنه كان ناراً ، ولا أصدق اليوم كيف انطفأت تلك النار!
تعرفتُ على حلمه في عام 1980 عندما أرسل لي إلى بيروت خواطر كتبها لأنشرها في المجلة التي أعمل بها، وهي مجلة “نضال الشعب” التي كان يرأس تحريرها الصحفي والكاتب الفلسطيني محمد عادل.. وكنا ننشر له ما يكتبه باسم (رامي عوني)، وأجمل مافيها أنه كان يحب فلسطين، وأبشع مافي هذا الزمن العربي الذي مات فيه رامي أنه تخلى عن فلسطين.
كان فتى صغيراً، وكنت شاباً، والفرق بيننا اليوم في لحظة موته، أنه مات كطفل عجوز، وأني أحاول بيأس أن أعود طفلاً، على الأقل لكي أستعيد الحلم .
لقد مات الحلم في نفوسنا، وقتلة ذلك الحلم معروفون، ولذلك فهمت لماذا مات رامي قبلنا. نعم أحبطه الحلم، وتأخر في الوصول إلى هذه النتيجة.
كنت أخبرته فلم يصدقني..
وعندما علمت بأنه حلمه مات لم أصدقه ..
عرفت ذلك عندما قرأت خبر موته .
فهل سيأتي أطفال مثل رامي يحلمون مثلنا، كما كنا نحلم، وهل ستشتعل أحلامهم بالحياة؟
عندها على كل منهم أن يشعل فوق قبورنا شمعة؟!