رحيل زميلنا الباحث الكبير الدكتور عصام نور الدين
بتاريخ الجمعة الواقع فيه 15 كانون الأول/ ديسمبر 2023 رحل العالم اللغوي الكبير زميلنا الذي نعتز به الدكتور عصام نور الدين الذي رافق موقعنا فترة طويلة في زاوية نوافذ كاتبا حارا وفذا، أرسل بكتاباته لنا من باريس على مدار الفترة التي سبقت مرضه الصعب .
والدكتور عصام نور الدين توفي في باريس ، ونقل جثمانه إلى بيروت ، ودفن قبل أيام في خربة سالم في الجنوب اللبناني الذي أحبه ودافع عنه ردحا طويلا من حياته.
والزملاء في زاوية نوافذ وفي هيئة تحرير الموقع يستعيدون ذكرى الكاتب الكبير والعلامة اللغوي والباحث في الشؤون القومية بإجلال. ويرسلون إلى زوجته السيدة خديجة أبو ظهر . وأولاده : الإعلامي تمام نور الدين والدكتور عدي نور الدين والمخرج السينمائي وائل نور الدين بأحر التعازي لفقدان هذه الشخصية الهامة على الساحة الثقافية العربية.
وكان الدكتور عصام نور الدين قد أرسل بآخر زواية له إلى موقع بوابة الشرق الأوسط الجديدة .تحت عنوان : الولايات المتحدة العربية ..
زاوية الدكتور عصام نور الدين وجاء فيها :
عندما كنا نخرج ، منذ ستين عاماً تقريباً ، في مظاهرات ، في ” بيروت”، مطالبين بالوحدة العربية الشاملة الكاملة ( بدنا الوحدة هبرة زلط)، كنا نمثل تطلعات ” الأمة العربية” في تحقيق دولة الأمة. غير المتحققتين عملياً . وكانت مطالبنا كناية عن أحلام النخب السياسية والثقافية ، المنخرطة في الأحزاب والحركات القومية . مثل ” حزب البعث العربي الاشتراكي ” ، والحركات ” الناصرية ” المتعددة الأسماء. والأحزاب التي كانت تنادي بـ ” عروبة ” جزئية أو إقليمية مثل ” الحزب السوري القومي الاجتماعي ” ، الذي نادى ب ” سوراقيا” ، ووحدات: دول النيل ،و شمال أفريقيا ، والخليج .
فماذا حدث منذ إنشاء الدول العربية الإقليمية حتى اليوم ؟
إن ” الهياكل الوطنية ” التي خلقها الاستعمار التركي فالأوروبي ، والتي كنا ضدها، لأنها : لا تمثل ، حسب نظرتنا الشاملة والحالمة ، لا روح الأمة العربية ، ولا تطلعاتها ، ولا حاجاتها …فلم تستطع هذه الكيانات المحافظة على فلسطين . ولم تصمد أمام المتغيرات الداخلية والخارجية. وبدأت تنقسم على نفسها ، في غزوات و حروب بدوية وطائفية ومذهبية وتخلّفيّة ،
فشهدنا في غير مكان ، حركات انفصالية داخلية ، جزْأت المجزّأ .وهاجمت دول عربية دولاً عربية أخرى بتحريض أمريكي حيناً ، وبأطماع السلب والنهب والغنائم والسبايا حيناً آخر. وخسرت بعض الدول العربية مساحات كبيرة جداً من أراضيها … وعمَّ الجهل والفقر والعوز عدة أقطار عربية …وأقيمت معاهدات ” السلم ” والدفاع العسكري المخابراتي والاقتصادي والثقافي ، بين عدد من الدول العربية و ” إسرا ئيل ” ضد عدد آخر من دول عربية لا تزال ترفض الاعتراف بالأمر الواقع ، وتحاول إقامة محور مقاوم لمواجهة الأخطار التي تتهددها . وقويت حركات التكفير هنا وهنالك ، ودمِّر الفكر القومي والعلماني أو يكاد …وصار العرب أجمعين أكتعين أصبعين في وضع لا يحسدون عليه ، ولا يسر صديقاً ولا يغيظ عدواً .
الدكتور عصام نور الدين: ماذا بقي أمام الدول العربية؟
فماذا بقي أمام الدول العربية كي تحافظ على نفسها أو على ما بقي منها ؟
إن دراسة تجارب الأمم والشعوب المتحضرة غير البدوية قد ينفع من يفكر بعيداً من عملية الغزو وتوزيع الغنائم والأسلاب …
فهذه دول أوروبا التي مزقتها الحروب الدينية ( الطائفية والمذهبية ) ، والاقتصادية ، والثقافية ، والثأرية قد أوجدت صيغة تسهل تحقيق مصالح الناس. وتمنع الحروب أيضا. وتتجاوز التنوع اللغوي والثقافي والحضاري ، …الخ،
إن العودة الى تاريخ الحركات والأحزاب في الدول الناطقة بالعربية تجعل الباحث يفكر في صيغة ” الولايات ” أو جمهوريات سوراقيا . ووداي النيل ، وشمال أفريقيا…
إذا وجد الحضر في سوريا الكبرى صيغة تحفظ خصوصية هذه الجمهوريات من جهة. وتؤمن مصالح سكانها وحرية حركتهم وتفاعلهم من جهة ثانية. فإنهم يخطون بذلك خطوة إيجابية تحفظ الجزء وخصوصيته. وتؤمن حماية جماعية للمجموع بأكمله. مثل دول الاتحاد الأوروبي مثلاً …
فاتحاد جمهوريات سوراقيا. المؤلف من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق والأردن والكويت . إن رغبت هذه الدول والإمارات بذلك ، يشكل قوة للجزء وللكل. ولا تمنع أحلام من يفكرون بالوحدة العربية الشاملة الكاملة . كما ولا تثير مخاوف من يريد المحافظة على خصوصيته وامتيازاته . لأنها خطوة أو نصف خطوة نحو الخروج من جهنم الطوائف والمذاهب والقبائل والعشائر والتكفير الفردي والجماعي على كل المستويات.
*الدكتور عصام نور الدين باحث لبناني معروف . نشر عددا من البحوث اللغوية والسياسية والقومية . عمل أستاذاً في الجامعات اللبنانية ويعيش حاليا في فرنسا.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة