عن الخوف
الخوف..
كنت معه وحدي حين قال لي بصوف خفيض :
سأعترف لك ببعض أسراري ما دمنا وحدنا فأنت خير من يفهمني !.
فقلت له مشجعا : كلي آذان صاغية…
كان جليسي قارئاً ممتازاً واسع المعارف وهذا ما زاد إهتمامي به. قال : المسألة تتعلق ببعض المشاعر و الأفكار التي تنتابني ، فأنا لا أدري مثلاً لماذا أشعر بالخوف كلما دخلت إلى مؤسسة حكومية ضخمة لإنجاز معاملة لي هناك وبالضياع وأنني إنسان ضعيف مغلوب على أمره حيال الغرف المتعددة الحاشدة بالموظفين العابسين حيث يركبني نوع من التهيب أو الخوف على الأصح، إذ أدخل إلى هذه الغرف متردداً و أخرج منها متعثراً و لا أعود إلى حالتي الطبيعية إلا إذا خرجت … و حتى في الشارع حين أمر بمبنى رسمي يقف دونه حراس مسلحون تنتابني هذه الحالة فوراً فأنزل من على الرصيف إلى الشارع حتى و لو كان مزدحما بالسيارات المسرعة ، و يزداد الأمر سوءاً حين يقتضي الأمر أن أدخل إلى دائرة تابعة لأجهزة الأمن ، فعلى حدود البلاد مثلاً، و أنا مسافر، ما أكاد أقترب من حاجز رجال الشرطة كي أسلمهم جواز سفري و كأنني مجرم ملاحق، أما إذا كانت الدائرة الأمنية التي أتابع فيها معاملتي داخل المدينة فإن حالتي تزداد سوءاً حين يقال لي : عد غداً أو بعد غد إذ أحكم على نفسي بالعذاب لأنني سأظل مرغماً على صعود الأدراج و الإحتكاك بالملابس الرسمية و التعامل مع موظفين يرتابون بي كما يتخيل لي، ولا أعود إلى حالتي الطبيعية إلا بعد خروجي إلى الطريق كي أندس متوارياً بين الجماهير العابرة من دون أن يلاحظني أحد …
ماذا تسمي هذه الحالة ياصاحبي ؟ هل أنا جبان إلى هذا الحد ؟ و هل هو جبن فطرت عليه أم أكسبتني إياه ظروف الحياة الصعبة ؟ فقلت له : لا أعتقد ذلك ..حالتك هذه ليست جبناً بالفطرة و إنما هي حالة خاصة بأمثالنا من الموظفين البسطاء…
ثم قربت فمي من أذنه و أسرت له كلاماً غير مسموع ..
فشهق صاحبي متعجباً وهو يقول : هل تعتقد ذلك ؟ و لكن ما رأيك بما سمعته مني و هل تعاني شخصياً مما أعانيه أنا ؟ أو هل تعرف أحداً غيري مصاباً بما أنا مصاب به ؟
فأجبت بعد تفكير عميق : أعذرني يا صاحبي عن عدم الإجابة على سؤالك فأنا أفضل شخصياً ألا نخوض طويلاً في هذا الموضوع ..
فبدا عليه الإستغراب من اللهجة الجدية التي كنت أحدثه بها …
و حين لم يجد ما يضفيه أدار وجه متشاغلاً بمشاهدة الحيطان المعلق عليها بعض الصور عن الطبيعة الصامتة !!..
و هكذا ساد بيننا الصمت .. و أنه لم يعد يزورني أو يخابرني هاتفياً إلا نادراً .. و هكذا خسرت أحد الأصدقاء!…
