قبل داعش بسنة واحدة
قبل داعش بسنة واحدة … بعد أن قلت، السلام عليكم “وردّ الاثنان” وعليكم السلام” ناداني أحدهما: يا عم تعال… هويتك.
استغربت. ما الذي خطر للشرطي في هذا الموقف؟ قلت ربما ينفذ مهمته بدقة. وربما ليستمتع بالسلطة، وربما ليتسلّى.
لكنني بعناد قديم آتٍ من رغبة قديمة، عمرها أكثر من عمر الأحكام العرفية في بلاد العرب، وهي نصف قرن وأكثر… تلك الرغبة في أن يأتي اليوم الذي يعتبر فيه ” كل شخص بريء حتى تثبت إدانته”، و “كل شخص حر حتى يعتدي على حريات الآخرين” إلى آخر هذه العائلة، المعقدة والبسيطة، من الأحلام المتمدنة…
بعنادي هذا قلت: لا أحمل هوية. وعندما بدأ يحاصرني قلت: ولست مواطناً من هذا البلد ! وهنا أعطيته كل مبررات الشك. ولكنني سألت: لماذا بعد السلام والمرور، وأنا في طريقي العريض، الرئيسي والمكشوف… خطر لك أن تسألني؟ قال: “شممت رائحة الخمر منك!
قلت هل أنت حارس فضيلة؟ أم إمام جامع، أم مندوب العذاب في الآخرة؟ وفي هذا البلد مسموح شرب الخمر دون تكسير الزجاج.
المهم: بين أخذ ورد، وصلنا إلى المخفر. وكان دائماً ضرورياً الوصول إلى المخفر في حوادث سخيفة لكي، على الأقل تلتقي بضابط يمكن أن يرى الحجم السخيف للمشكلة.
لا تؤاخذنا… وتذهب إلى النوم، ولكن بعد التذكير بهزيمة حلمك الصغير: ألا يسألك أحد من أنت؟ لمجرد أنك وحيد تمشي في ليل مدينة أصبحت لا تطاق إلا… ليلاً!
تذكرت شريعة جعفر نميري الرئيس السوداني المخلوع الذي ألقى في يوم واحد، في مياه النيل ما قيمته 5 ملايين دولار من المشروبات الكحولية المصادرة من الفنادق، بعد إعلانه سيادة الشريعة الإسلامية (طبعاً مع احتفاظه بمكتبة المشروبات في قصره… من كل الأصناف). وقد دارت كل حوارات المفكرين الدينيين، عندئذٍ، حول عدد الجلدات لشارب الخمر. هل هي 30 أم أربعين جلدة، أم أكثر؟
فيما كان السودان يغرق في الديون التي هي نفس مبالغ السرقات والفساد والحروب العبثية… إلا أن أحداً لم يناقش عدد الجلدات في مثل هذه الحالة. وقد ذهب النميري إلى النسيان ولم يحاسبه أحد، وظهرت مكتبة الويسكي.
لكن أطرف المناقشات الي سادت تلك الأيام: هل يجوز، شرعاً، الاستعانة بتكنولوجيا الكشف عن كمية الخمر في دم الشاربين…؟ فثمة جدالاً آخر قد ثار أيضاً: هل شارب الكثير مثل شارب القليل؟ وهل يتساويان في عدد الجلدات، مع تفاوت عدد الكؤوس؟
لا يتوهمن أحد (آسف لهذه الصيغة) بأن الطالبانية، والقاعدية، وجند الله، وكل هذه الفصائل… قد جاءت من العدم، ولكي لا تكون آلة تفريخ نوع، الجلد وقطع الرؤوس بالفؤوس… يجب الإصرار على إعادة مهمة الثواب والعقاب إلى صاحبها الكبير… الله! أما في الأرض فليكن القانون على مقاس العيش الحر المشترك بين مؤمن وسواه… حتى لا نقول بين شارب وسواه…
في زيارة إلى السودان بمهمة صحفية سألني الشرطي في المطار: هل معك كحول؟ قلت: نعم، وكان النميري قد أصبح لاجئاً في القاهرة. ويفترض أن إيمانه وشرائعه قد ذهبت معه. صادر الشرطي الزجاجتين اللتين أحملهما بيدي في كيس من السوق الحرة في اليونان، قائلاً: سأغض النظر عن تقديمك إلى المحكمة الشرعية.
في أحد أيام إقامتي في هيلتون الخرطوم سألنا عن كيفية الحصول على الخمر، فقال أحد السودانيين: غداً أحضر لكم زجاجة ويسكي وزجاجة فودكا. وانتظرنا دفعنا ثمن الزجاجتين اللتين صودرتا في المطار. وكان البائع شرطي المطار.