كيف تم استبدال الاستعمار الأجنبي بالأنظمة الشمولية وكيف استبدت بشعوبها وأذلتها …..
ماهر عصام المملوك
على مدار العقود الماضية، كان العالم يشهد تحولات جذرية في الأنظمة السياسية والاجتماعية للعديد من الدول التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار. فمع استقلال هذه الدول، كان الأمل يحدو شعوبها في تحقيق الحرية والازدهار. غير أن الحقيقة كانت مختلفة في كثير من الحالات، حيث تم استبدال الاستعمار بأنظمة شمولية تُحكم السيطرة على الشعوب وتستبد بها، مما أثار تساؤلات حول أسباب هذه التحولات وطبيعة الأنظمة التي نشأت.
جذور الشمولية بعد الاستعمار
أحد أبرز العوامل التي أسهمت في نشوء الأنظمة الشمولية بعد انتهاء الاستعمار هو الفراغ السياسي والإداري الذي خلفه المستعمرون. لقد ترك المستعمرون مؤسسات سياسية واقتصادية مصممة لخدمة مصالحهم، وليس لخدمة الشعوب. وعندما رحل المستعمر، وجدت الدول نفسها تفتقر إلى بنية تحتية سياسية متماسكة وقادرة على تلبية تطلعات المواطنين. هذا الفراغ أتاح الفرصة لظهور قادة سياسيين ذوي طموحات فردية تمكنوا من الاستحواذ على السلطة بطرق مختلفة.
في كثير من الأحيان، كانت الأنظمة الشمولية الجديدة تُبرر استبدادها بضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية أو التصدي للأخطار الخارجية. وفي الواقع، استخدمت هذه الأنظمة خطابًا يعكس المخاوف الشعبية من التشرذم والانقسامات الداخلية، لكنها في الحقيقة كانت تسعى لترسيخ سلطتها المطلقة.
أدوات السيطرة الشمولية
القمع السياسي
أحد أبرز سمات الأنظمة الشمولية هو استخدامها المفرط للقوة والقمع ضد أي معارضة. يتمثل ذلك في اعتقال المعارضين، و
تقييد الحريات السياسية، وحظر الأحزاب السياسية. في كثير من الأحيان، كانت هذه الأنظمة تُنشئ أجهزة أمنية قوية تراقب المواطنين وتقمع أي تحركات شعبية تهدف إلى التغيير.
الإعلام والدعاية
لعب الإعلام دورًا مركزيًا في ترسيخ سيطرة الأنظمة الشمولية. فقد عملت على احتكار وسائل الإعلام وتحويلها إلى أدوات للدعاية تُروج لأيديولوجيتها وتمجد القادة السياسيين. كما تم تكميم الأفواه المعارضة ومنع أي آراء تختلف مع الرواية الرسمية.
الاقتصاد الموجه
اقتصاديًا، استغلت الأنظمة الشمولية الموارد الوطنية لتعزيز سلطتها. في كثير من الحالات، كانت القرارات الاقتصادية تُتخذ بناءً على مصالح النخبة الحاكمة وليس مصالح الشعب. أدى هذا إلى تفاقم الفقر والبطالة، بينما استفادت قلة قليلة من الثروات الوطنية.
الأيديولوجيا والتعليم
ركزت الأنظمة الشمولية أيضًا على التعليم كأداة للسيطرة. قامت بتوجيه المناهج الدراسية لتعزيز الأيديولوجيات الرسمية وإغفال التاريخ الحقيقي أو القضايا الجوهرية التي تعاني منها المجتمعات. أصبح التعليم وسيلة لغسل أدمغة الأجيال الناشئة لضمان استمرارية النظام.
أسباب استمرار الأنظمة الشمولية
رغم سقوط العديد من الأنظمة الاستعمارية منذ منتصف القرن العشرين، فإن الأنظمة الشمولية التي حلت مكانها ما زالت قائمة في العديد من الدول. ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل:
- التاريخ الاستعماري: غالبًا ما كان المستعمرون يزرعون بذور الانقسام العرقي أو الطائفي كوسيلة للسيطرة على الشعوب. بعد الاستقلال، استغلت الأنظمة الشمولية هذه الانقسامات لتعزيز سلطتها.
- غياب مؤسسات ديمقراطية حقيقية: لم تُتح الفرصة لتأسيس مؤسسات ديمقراطية قوية خلال فترة الاستعمار، مما جعل الانتقال إلى الحكم الديمقراطي أكثر صعوبة.
- الدعم الخارجي: في كثير من الحالات، تلقت الأنظمة الشمولية دعمًا من قوى خارجية كانت ترى في هذه الأنظمة وسيلة للحفاظ على مصالحها الاقتصادية أو الجيوسياسية.
- الثقافة السياسية: في ظل غياب تقاليد سياسية ديمقراطية، أصبحت الثقافة السياسية في العديد من الدول تميل إلى قبول الحكم الفردي باعتباره أمرًا طبيعيًا.
تأثير الشمولية على الشعوب
لقد كان لاستبداد الأنظمة الشمولية آثار كارثية على شعوبها. على المستوى الاجتماعي، أدى القمع السياسي والاقتصادي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وانتشار الفقر والجهل. كما أن السياسات القمعية دفعت العديد من المواطنين إلى الهجرة، ما أفقد الدول الكثير من الكفاءات والعقول المبدعة.
أما على المستوى السياسي، فإن غياب الحريات واحتكار السلطة أدى إلى تراجع ثقة الشعوب في الحكومات وفقدان الأمل في التغيير السلمي. هذا بدوره ساهم في اندلاع احتجاجات شعبية وثورات في العديد من الدول، لكنها غالبًا ما كانت تُقابل بمزيد من القمع والعنف.
الأمثلة البارزة في الكثير من دول العالم العربي وأمريكا الجنوبية وأفريقيا
بعد مرحلة الاستعمار الأجنبي تم الاستعانة بالكثير من الأنظمة الملكية التي كانت موجودة قبل الاستعمار والتي استغلت كشماعة من قبل المستعر لاضفاء شرعية زائفة على حكم البلاد الشكلي بإدارة مبطنة كاملة للسلطة في الكثير من دول الشرق الأوسط لياتي بعدها الحكم العسكري بشكل انقلابات على الملكيات وعلى حساب الكيان السياسي الموروث إبان الاستعمار والتي أدت في النهاية إلى سيطرة بعض الأحزاب العقائدية التي استخدم فيها النظام الجديد القمع والترهيب لتثبيت حكمه، وقام بتهميش الأقليات العرقية والطائفية، مما أدى إلى عقود من الصراعات الداخلية.
وكذلك شهدت العديد من الدول الأفريقية نفس السيناريو.
فبعد استقلالها عن القوى الاستعمارية الأوروبية، استولى قادة عسكريون أو سياسيون على السلطة وحولوها إلى أنظمة شمولية. على سبيل المثال، في زيمبابوي، تحول روبرت موغابي من زعيم وطني مكافح للاستعمار إلى رئيس مستبد حكم البلاد بقبضة من حديد.
السبل للخروج من دائرة الاستبداد
إن الخروج من دائرة الاستبداد والشمولية يتطلب جهودًا متضافرة على المستويين المحلي والدولي. محليًا، يجب تعزيز الوعي السياسي لدى الشعوب وتطوير مؤسسات ديمقراطية قوية قادرة على الصمود أمام التحديات. دوليًا، يجب على المجتمع الدولي دعم التحولات الديمقراطية بطرق لا تتدخل في سيادة الدول.
من الضروري أيضًا التركيز على التعليم كأداة لتحرير العقول وتعزيز قيم الحرية والديمقراطية. فالتعليم يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في بناء أجيال قادرة على قيادة التغيير.
في نهاية المطاف، فإن استبدال الاستعمار بالأنظمة الشمولية يمثل تحديًا كبيرًا للعديد من الدول. ورغم المآسي التي خلفتها هذه الأنظمة، فإن الشعوب أثبتت قدرتها على المقاومة والسعي نحو التغيير. ويبقى الأمل في بناء دول تعتمد على العدالة والحرية كأساس للحكم، بدلاً من القمع والاستبداد.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة