ماذا عن أحمد مراد.. الأديب الـ «سوبر ستار»؟… نادراً ما تشهد الحركة الثقافية في مصر ظهور «كاتب» يصبح مع مرور الوقت نجماً، بعيداً عن الحكم على موهبته. وإذا حدث، فإنه يأتي بعد إنجاز كبير أو حدث ثقافي مهم مرّ به المؤلف. لكن يبدو أنّ لدى الأديب أحمد مراد (مواليد 1978) الذي يُحسب على جيل الشباب خلطة جعلته «براند/ علامة تجارية». ورغم أن فكرة التسويق باتت شائعة الآن في كل المجالات، إلا أنّ أحداً في حقل الكتابة لم ينجح في تحقيق ما حققه صاحب «الفيل الأزرق»، سواء ممن هم أكثر منه موهبة أو حتى ممن سبقوه وكانت لهم محاولات بالفعل في الترويج لأنفسهم، فما الذي يملكه مراد جعله يحمل هذا البريق وذلك الصخب أينما حلّ برغم أنّ أصوات انتقاده اللاذعة عالية دوماً؟!
قد يكون الاستغناء أحد الأشياء التي يمتلك مراد منه رصيداً هائلاً، ما جعله لا يخشى التجريب، ولا يطرق السبيل المعهود، وقد يكون أيضاً الإطلاع والنظر إلى آفاق مختلفة، وقد يكون الإخلاص الشديد لنفسه أولاً، وقد يكون التحقق السابق لمرحلة احتراف الكتابة من الأساس، وقد يكون أيضاً غزارة الإنتاج، إذ يستعد لطرح روايته الثامنة «أبو الهول» خلال أيام…
منذ بداية عهده بالكتابة الروائية حين قدم روايته «فيرتيجو» (2007)، دأب مراد على أن يكون «الكاتب النجم» الذي يخالف تماماً حال الكتّاب والمثقفين في مصر، هو الذي جاء إلى عالم الكتابة من العمل مصوّراً في رئاسة الجمهورية في زمن حسني مبارك، ثم عمل مصمماً لأغلفة الكتب لفترة.
وحين بدأ نشر رواياته، كان يروّج لها بإعلانات عبارة عن فيديو. أمر لم يكن معروفاً وقتها، وهذه كانت بدايات الخروج عن القاعدة وعن العالم التقليدي شديد الكلاسيكية الذي ارتبط بالوسط الثقافي المصري. أفاد مراد من خبرته في التصوير والتصميم للتسويق لعمله الإبداعي، ولم يرتبط اسمه بما يُعرف بمقاهي المثقفين وجلساتهم المعتادة، بل كان أقرب إلى جيل الإنترنت، كاسراً القواعد التي كانت تقول: إنّه على المبدع أن يدشّن مسيرته بلقاءات متكررة في أماكن محددة ارتبطت بعالم الكتابة في مصر.
جرت العادة أن يعمل الكتّاب في وظائف أخرى للإنفاق على أنفسهم حتى يستطيعوا مواصلة الشغف نحو تلك المهنة التي عُرف عنها أنها لا تحقق الثروات، بل إنّ بعضاً من كبار المبدعين يعيشون بجيوب خاوية، أو أنهم بالأساس قَدموا إلى عالم الكتابة بعد سنوات قضوها في وظيفتهم ولا يزالون، مثل الأديب أشرف العشماوي، الذي لا يزال يعمل في القضاء المصري حتى الآن، وآخرون يعمل معظمهم في الصحافة باعتبارها الوظيفة الأقرب إلى الكتابة مثل الأديب عزت القمحاوي.
ظلّ الأديب العالمي المصري نجيب محفوظ (1911- 2006) في الوظيفة الحكومية حتى المعاش، ودائماً ما كان يقول عنها -عندما يُسأل- إنّها وفرت له الدخل الذي يمكّنه من الاستمرار في الكتابة. بالطبع حديث محفوظ كان في أوضاع اقتصادية أخرى، تجعل من الوظيفة الحكومية قادرة على تمكين كاتب من الإنفاق على بيته ومن ثم تفريغ بقية يومه للكتابة. أما مراد فقد قالها صراحة في برنامج تلفزيوني أخيراً بأنه تحول إلى الكتابة لأنه «زهق» من حياته المنضبطة قبل الكتابة. وأشار في حديثه إلى أشياء معظمها «مادي» عن السهر والسفر والزواج والسيارة!
بعدما رأى «مراد» تأثيره في جيل جديد من القرّاء الذين كانوا يقفون له بالطوابير للحصول على توقيعه، بدأ هو نفسه في تصدير نجوميّته إلى هذا الجمهور. وهو بالطبع نجاح في أن تكتب لجمهور بعينه وتعمل على جعله جمهورك الدائم وتنقله معك من قراءة روايتك إلى مشاهدة فيلمك في السينما، والآن بالانضمام إلى ورش كتابة السيناريو التي تعقدها، كما يفعل أحمد مراد في القاهرة ودبي حالياً.
ورغم الانتقادات التي يتعرّض لها، إلا أنّ بعضهم يعتبر أنّ مراد يشجّع جمهوره على القراءة، فما الذي يضرّ الأدب إذا كان هناك من يكتب لجمهور الشباب الذين يبدؤون القراءة من خلال رواياته؟! وفي مقال للكاتب والأديب المصري ياسر ثابت، أشار الأخير إلى أنّه انتقد مراد وقت اختياره ضمن لجنة استشارية تابعة لرئاسة الجمهورية في مصر، لكنّه أضاف بأنّ مراد «نجم الرواية، مثلما عمرو دياب نجم الغناء، وغادة عبد الرازق نجمة التمثيل».
في هذا الإطار، وبطريقة مراد المغايرة في التعامل مع الأدب والتعامل مع نفسه كـ «براند»، بدأت إحدى القنوات المصرية أخيراً عرض برنامج جديد يقدمه أحمد مراد وابنته «فاتيما». «بيت مراد» هو برنامج أقرب إلى الدراما من البرامج العادية، لا يسير على الشكل التقليدي من مقدم برنامج وضيوف، لكنه يتحدث عن كتب معينة قرأها مراد وابنته، في إطار درامي. ويبدو أن من كتبه هو مراد نفسه، فهو سيناريست قدّم عدداً من الأعمال الشهيرة لنجوم السينما أمثال كريم عبد العزيز، وأحمد عز، وهند صبري.
وتمتد الحلقة الواحدة من برنامج «بيت مراد» على 15 دقيقة أو تزيد قليلاً، يتحدث فيها مراد عن أحد الكتب لابنته، ثم تحكي هي عن كتاب آخر قرأته في سياق موضوع الحلقة، لكنّه غالباً كتاب غير عربي. وتنتهي كل حلقة بحكاية لمراد يقدمها لابنته قبل النوم. صوِّرت 13 حلقة من البرنامج هي الموسم الأول بأكمله، ومن المقرر أن تنتج الشركة موسماً آخر من البرنامج الذي جرى تصويره في موقع خاص بمدينة الإنتاج الإعلامي.
ليس «بيت مراد» البرنامج الأول لصاحب «تراب الماس»، فهو يقدم، منذ ثلاث سنوات، برنامج «التوليفة» الإذاعي على إذاعة «نجوم. إف. إم» المصرية. ويتوقع للبرنامج التلفزيوني الجديد أن يكون حديث السوشال ميديا خلال الأيام المقبلة، وخصوصاً أنّ مراد دائماً ما يثير الجدل بتصريحاته، فآخر ما قاله حول توجّهه للكتابة حينما انتهى من كل شيء آخر، كان مثاراً للجدل، وقبلها ما قاله عن الفرق بين القصة القصيرة والرواية وأنّ الأخيرة تحتمل الكذب أكثر.
وبشأن مغايرته لمجايليه وتعاملهم مع الكتابة، كان مراد ممن اهتموا بالكتابة للسينما سواء عندما كتب فيلم «الأصليين» بشكل مباشر كسيناريو للسينما، أو بعدما تحولت روايته الأولى «فيرتيجو» إلى مسلسل من بطولة هند صبري، أو رواياته الأخرى إلى أفلام مثل «الفيل الأزرق» بجزأيه و«تراب الماس». وفي هذا يعود مراد إلى عصر شارك فيه بكثافة نجيب محفوظ الذي تحولت كثير من رواياته إلى أفلام سينمائية (21 عملاً) مثل «ثرثرة فوق النيل» و«زقاق المدق» و«القاهرة 30».
كما كتب محفوظ قصصاً مباشرة للسينما، وشارك في كتابة سيناريوات أخرى، رغم أن مراد نفسه انتقد نجيب محفوظ قبل أربعة أعوام، في ندوة شارك فيها في «معرض الشارقة الدولي للكتاب» عام 2019، عندما تحدث عن صاحب نوبل في الأدب قائلاً إن رواياته «لا تناسب العصر». أضاف وقتها: «روايات الكاتب العالمي نجيب محفوظ ذات إيقاع بطيء، وهذا لا يتناسب مع الإيقاع الحديث الآن». تصريحات أثارت الانتقادات اللاذعة ضد مراد، قبل أن يعود ليوضح إن تصريحاته اجتُزئت من السياق الذي كان يتحدث فيه حول السرعة والإيقاع البطيء لروايات الخمسينيات والستينيات في مصر!
الجدل… يتجدّد
قدم أحمد مراد حتى الآن سبع روايات وصلت إحداها وهي «الفيل الأزرق» إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر» العربية عام 2014، فيما حصل هو على «جائزة الدولة للتفوق» عام 2017، و«جائزة البحر الأبيض المتوسط للثقافة» عن أولى رواياته «فيرتيجو»، وترجمت أكثر من رواية له إلى لغات أخرى، وها هو يكشف عن «أبو الهول» الرواية الجديدة، التي أثار غلافها مشكلةً جديدة حول ما إذا كان مصمّم الغلاف قد اقتبسه أم لا؟ الأكيد أنّ إثارة الجدل جزء هام في مسيرة الأديب النجم أحمد مراد.