هل ستنتقل المُواجهة القادمة مع الاحتِلال من جنوب لبنان إلى منصّات الغاز في المتوسّط وقريبًا؟
عندما التقيت بمَسؤولٍ لبنانيٍّ كبيرٍ جدًّا مُقرّب من “حزب الله” أثناء زيارتي الخاطفة للبنان الأسبوع الماضي، سألته متى تتوقّع أن يُنفّذ السيّد حسن نصر الله أمين عام الحزب تهديداته التي أطلقها في آخِر واحد أقوى خِطاباته بضرب السّفينة اليونانيّة التي تستخرج الغاز من منطقة “كاريش” “المُتنازع عليها” لمصلحة دولة الاحتِلال الإسرائيلي أجاب، وأنا أنقل هُنا ما قاله حرفيًّا، “يا سيّدي استهداف صواريخ المُقاومة للسّفينة اليونانيّة عمليّةٌ “سهلةٌ” للغاية، لا تحتاج إلى الكثير من الاهتمام والاستعداد، ويُمكن تطفيشها (أيّ السّفينة) بإطلاق صاروخ واحد بالقُرب منها كإنذار، فالمُقاومة تستعدّ لما هو أكبر بكثيرٍ جدًّا من تدمير هذه السّفينة، أو إجبارها على الهُروب، وعندما طلبت التّوضيح أكثر ابتسم وقال “ما عليك إلا الانتظار، فالمُفاجآت أكبر ممّا تتصوّر”.
تذكّرت كلام هذا المصدر الكبير والمسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، وموقعه، عندما كشف موقع “واللا” الاستِخباري الإسرائيلي اليوم السبت عن عمليّات عسكريّة خاصّة قامت بها وحدات بحريّة تابعة لحزب الله بهدف رصد الدّفاعات الإسرائيليّة البحريّة في المناطق الحُدوديّة، والمِياه الإقليميّة حيث احتياطات النفط والغاز.
وأكّد الموقع المذكور أن أكثر ما تخشاه القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة صحّة معلومات رائجة بقوّة عن إقدام الرئيس بشار الأسد بتسليم “حزب الله” صواريخ من نوع “ياخونت” البحريّة، لأن امتِلاك الحزب لهذه الصّواريخ الدّقيقة، واستخدامها ضدّ السّفن ومنصّات الغاز الإسرائيليّة في البحر المتوسّط سيُغيّر كُل قواعد الاشتباك، ويجعل البُنى التحتيّة البحريّة، والدّفاعات الإسرائيليّة في مرمى القوّات البحريّة الخاصّة التي أسّسها الحزب في الأعوام الأخيرة، وباتت تضم مئات، إن لم يكن آلاف الاستِشهاديين والضّفادع البشريّة، والغوّاصات والزّوارق السّريعة.
ولا أستبعد شخصيًّا دقّة هذه المعلومات بالنّظر إلى سابقة إقدام الرئيس السوري على التّجاوب مع طلب السيّد نصر الله واللواء قاسم سليماني بتزويد حركة “حماس” بصواريخ “كورنيت” المُضادّة للدبّابات للتصدّي لأيّ اجتياح للدبّابات الإسرائيليّة لقِطاع غزّة، رُغم الخِلاف مع الحركة، وجرى إرسال بعض هذه الصّواريخ من ميناء اللاذقيّة حسب معلومات مُؤكّدة.
ربّما ينسى الكثيرون، ونحن لسنا من بينهم، تفاصيل كثيرة عن حرب تمّوز عام 2006 التي مُنيت فيها قوّات الجيش الإسرائيلي بهزيمةٍ كُبرى، ولكن يظلّ من الصّعب نسيان إعلان السيّد نصر الله، وعلى الهواءِ مُباشرةً، عن تدمير بارجة الصّواريخ الإسرائيليّة (حانيت) وقتل أربعة من جُنودها بصاروخٍ بحريّ إيرانيّ الصُّنع أربك دولة الاحتِلال وقِيادتها العسكريّة في حينها لدقّته العالية وقُدراته التدميريّة غير المسبوقة.
هذا المشهد المحفور في الذّاكرة، قد يتكرّر بصُورةٍ أقوى في الأيّام المُقبلة، خاصَّةً أنّ الرّدود الإسرائيليّة التي حملها المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين إلى الحُكومة اللبنانيّة لم تكن مُشجّعة، وجاءت تنطوي على الكثير من المُراوغة وكسْب الوقت، والتذرّع بعدم وجود حُكومة إسرائيليّة انتظارًا لانتخاباتٍ قادمة بعد ثلاثة أشهر.
قُوّة “الرضوان” الخاصّة التّابعة لحزب الله وتُشكّل قوّات كوماندوس النّخبة، وتضم وحدات بحريّة عالية التّدريب والتّسليح، باتت تُشكّل صُداعًا وقلقًا للقيادة العسكريّة الإسرائيليّة هذه الأيّام، وخاصَّةً بعد تهديدات السيّد نصر الله بأنّه لن يسمح للاسرائيليين بسرقة الغاز اللبناني واستِمرار منع لبنان من استِخراج ثرواته البحريّة لحلّ أزماته الاقتصاديّة وأوضاعه المعيشيّة المُتدهورة.
الغالبيّة العُظمى في لبنان باتت تدعم اللّجوء لاستخدام القوّة لمُواجهة الغطرسة الإسرائيليّة الأمريكيّة، والكلمة الدّارجة على ألسنة الكثيرين الذين تحدّثنا معهم في الشّارع اللبناني “أهلا بالشّهادة.. يا عمّي نموت في الحرب دفاعًا عن وطننا وكرامتنا وثرواتنا أفضل بكثير من الموت جُوعًا.. خلاص ما عدنا نستحمل هذا الهوان”.
هُناك أربعة سيناريوهات مُتوقّعة إذا لم يستجب الإسرائيليّون للمطالب اللبنانيّة العادلة في حِفظ ثرواتهم الغازيّة والنفطيّة واستِخراجها بأسرعِ وقتٍ مُمكن، مثلما قال مصدر آخَر قريب أيضًا من المُقاومة:
الأوّل: قصف منصّات استخراج النفط والغاز الإسرائيليّة في شرق المتوسّط.
الثاني: قصف بارجة إسرائيليّة على غِرار حاملة الصّواريخ (حانيت).
الثالث: إرسال وحداث من الضّفادع البشريّة التّابعة لفرقة “الرضوان” الخاصّة، لضرب الشّواطئ والموانئ الإسرائيليّة وتنفيذ عمليّات كوماندوس استشهاديّة.
الرابع: إشعال فتيل حرب إقليميّة تخوضها كُل دول وأذرع محور المُقاومة العسكريّة ضدّ دولة الاحتِلال.
الرّئاسات اللبنانيّة الثّلاث التي تُجَسِّد أركان الدّولة اللبنانيّة “الشرعيّة” تُطالب المُقاومة بضبْط النّفس، وتجنّب الإقدام على أيّ عملٍ عسكريّ، طالما أنّ هُناك “أمل” بالتوصّل إلى اتّفاقٍ للنّزاع البحري وترسيم الحُدود مع دولة الاحتِلال، وتُريد إعطاء فُرصة للمبعوث الأمريكي الوسيط، ولكنّ هذا المبعوث الذي خدم في الجيش الإسرائيلي ثلاث سنوات، ويعلم الله كم قتل من الفِلسطينيين والعرب خلال هذه الخدمة، لم يُكَلِّف نفسه العودة إلى بيروت بعد زيارة القدس المحتلّة، وأوكل مَهمّة نقل مضمون رسالته “التحذيريّة” إلى دوروثي شيا السّفيرة الأمريكيّة في بيروت، والمكتوب يُقرَأ من عُنوانه.
السيّد نصر الله طالب الإسرائيليين، بتعلّم السّباحة لأنّ البحر سيكون الوجهة الوحيدة المُتاحة لهم للهرب والنّجاة بأرواحهم، ويبدو بالنّظر إلى تطوّرات الأحداث، واحتِمالات المُواجهة الوشيكة أنّ هذا البحر قد لا يكون الخِيار الآمِن.. واللُه أعلم.