البحر الأبيض يظهر بقوة على رادار صناعة الطاقة العالمية (إيد كروكس)

إيد كروكس

البحر الأبيض المتوسط المعروف بالشمس والبحر والرمال، أصبح مسرحاً لصناعة النفط العالمية. وبرز الاهتمام بالمنطقة التي كانت بالكاد تظهر على رادار مجموعات شركات النفط منذ عقد من الزمان، في أعقاب الربيع العربي وسلسلة من اكتشافات الغاز الطبيعي الضخمة فيما يسمى حوض لافانتين.
ومما عزز النشاط في المنطقة أيضا تخفيف إيطالي جزئي لقرار صدر في أعقاب كارثة ديب ووتر هورايزون عام 2010 يحظر التنقيب عن النفط والغاز في البحر، ما حفز مجموعة من الشركات على نفض الغبار عن خطط للتنقيب في البحر الأدرياتيكي.
وأصبحت مالطا أحدث بقعة تظهر على خريطة النفط في البحر الأبيض المتوسط. ففي الشهر الماضي أعلنت شركة جينيل للطاقة التي يديرها توني هايوارد، الرئيس السابق لشركة بريتيش بيتروليوم، أنها اشترت حصة في مربعات تنقيب قبالة ساحل مالطا من شركة ميديترينيان أويل آند جاز، المدرجة في بورصة لندن الثانوية.
وقال بيل هيج، الرئيس التنفيذي لشركة ميديترينيان أويل آند جاز، إن الثورات التي اجتاحت شمال إفريقيا والشرق الأوسط العام الماضي شجعت الشركات على إلقاء نظرة جديدة على المنطقة. وأضاف: "يوجد كثير من الفرص الآن في أماكن مثل مصر وليبيا وتونس أكثر مما كان قبل الربيع العربي".
وانعكس هذا في جولة تراخيص النفط الأخيرة في مصر، التي اجتذبت عددا هائلا من العروض. وقال جون كونلين، وهو محام متخصص في الطاقة في شركة نورتون روس: "لقد رأيت عدد كبيرا من شركات النفط العالمية المتطلعة إلى تعزيز مركزها في مصر وليبيا، كما رأيت قادمين جدد".
لكن اكتشافات النفط الكبيرة شرقي البحر الأبيض هي التي أحدثت تغيرا جذريا في نظرة الصناعة إلى المنطقة. فمنذ عا 2009 تم اكتشاف نحو 35 تريليون قدم مكعب من الغاز ـ تعادل نصف إجمالي احتياطيات كندا تقريبا ـ في المياه العميقة قبالة ساحل إسرائيل وقبرص، معظمها بواسطة شركة نوبل إنرجي الأمريكية المستقلة. وأحد هذه الحقول هو حقل ليفياثان الإسرائيلي الذي تم اكتشافه عام 2010 والذي يعد أكبر كشف غازي في المياه العميقة على مدى عقد.
وتشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن حوض ليفياثان، وهو منطقة تحت الماء تمتد من حدود مصر الشمالية إلى تركيا وتحتوي على 1.7 مليار برميل من النفط غير المكتشف، القابل للاستخراج من الناحية الفنية، إضافة إلى 122 تريليون قدم مكعب من الغاز ـ ما يجعل منه جائزة في غاية الضخامة. ويبدو أن ليفياثان وأفروديت الذي تم اكتشافه العام الماضي في قبرص يؤكدان التفاؤل حيال المنطقة.
وقال بريان أوكاثين، الرئيس التنفيذي لشركة بتروسيلتيك، المدرجة في بورصة لندن الثانوية، التي تملك امتيازات قبالة الساحل الإيطالي: "هذه الاكتشافات زادت الاهتمام فعلا بالبحر الأبيض المتوسط". وأضاف: "منطقة كانت خارج الاحتمالات تبين أنها تحتوي كميات هائلة من الغاز".
وبالنسبة لجينيل تعد الصفقة مع ميديترينيان أويل آند جاز بمثابة رهان على ساحل مالطا سيثبت أنه غني بالهيدروكربونات مثله مثل ليبيا المجاورة. ولدى هايوارد معرفة جيدة بليبيا كونه أمضى أشهرا وهو يتفاوض على صفقة بريتيش بتروليوم الشهيرة البالغ حجمها 900 مليون جنيه استرليني مع نظام العقيد معمر القذافي عام 2007.
 وقال في مقابلة الشهر الماضي إن مالطا تعد امتدادا لحوض سرت في ليبيا، الذي يعتبر واحداً من أكبر المناطق المنتجة للنفط في العالم، مشيرا إلى أن المياه المالطية تنطوي على "احتمالات استكشاف كبيرة".
وفي حين لا تزال مالطا منطقة احتمالات، فإن بلدانا أخرى مثل قبرص أصبحت راسخة الآن في عالم النفط والغاز. واجتذبت جولة تراخيص ثانية في الجزيرة هذا العام عروضا من 15 شركة، تراوح من شركات عملاقة مثل توتال الفرنسية إلى مستكشفين صغارا مثل كايرن إنرجي، للعمل في تسعة مربعات بحرية. وفي المقابل، بالكاد تم الانتباه إلى أولى جولات التراخيص الخاصة بها عام 2007 التي أسفرت عن منح ترخيص واحد فقط ـ إلى شركة نوبل.
وفي الوقت نفسه انتعشت الآمال في إيطاليا التي خففت الشهر الماضي حظرا على الحفر في المياه الساحلية. ولا تزال القيود سارية بالنسبة للمشاريع الجديدة، لكن جميع المشاريع التي كانت قائمة قبل التسرب النفطي في خليج المكسيك يمكنها الآن استئناف نشاطها. وقال أوكاثين، من شركة بتروسيلتيك، إن شركته ستستأنف الحفر في العام المقبل، انتظارا للتصاريح البيئية الضرورية.
وتجتذب إسبانيا أيضا اهتمام الشركات. وتخطط كايرن لعمليات حفر في حوض فالينسيا، قبالة الساحل الإسباني، عام 2014. وستتقدم أيضا بعروض خلال جولة تصاريح بحرية في لبنان العام المقبل. لكن البحر الأبيض ليس نزهة في حديقة. فالمستكشفون الذين يخوضون في مياهه يخاطرون بأن يجدوا أنفسهم متورطين في شبكة معقدة من المشاحنات والخصومات الإقليمية. وبالفعل أبلغت تركيا شركات النفط مرات عديدة أن تبقى بعيدا عن مياه قبرص اليونانية. وفي العام الماضي احتجت إيطاليا على نشر مالطا مناقصة للتنقيب عن النفط والغاز في أجزاء من البحر الأيوني تدعي إيطاليا تبعيتها لها. ومالطا نفسها على خلاف مع ليبيا بشأن مناطق بحرية إلى الجنوب. وتتنازع إسرائيل ولبنان على ليفاثان، القريب من خط متنازع عليه يفصل بين المياه الإقليمية للبلدين. واتهم حزب الله، المجموعة الشيعية الراديكالية، إسرائيل بسرقة الغاز اللبناني. لكن هيجز، من ميديترينيان أويل آند جاز، يستبعد الأخطار الجيوسياسية. ويقول إن البحر الأبيض المتوسط "يبرهن على أنه مكان ذو مخاطر سياسية منخفضة نسبياً، خصوصا على الجانب الأوروبي".

صحيفة الفاينانشال تايمز

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى