العراق يخاطر بإقرار موازنة مخيفة

لم يجد العراق أمامه سوى القروض الكبيرة التي اقتنع صندوق النقد الدولي وبنوك ومؤسسات دولية أخرى بمنحه إياها لمواجهة العام الأصعب ماليا، والذي جمع للبلاد مشكلات متراكمة منذ أشهر وأخرى منذ سنوات، ليفاجئ بها الحكومة العراقية.

وتعترف حكومة العبادي ممثلة بوزارة ماليتها أن العام 2016 سيكون العام الأصعب ماليا، لكنها في الوقت نفسه لم تتخذ إجراءات من شأنها أن تضع الحلول التي من الممكن أن تخفف وطأة الضغوط المتراكمة المجسدة على شكل صدمة مزدوجة للعراق الذي يحارب الإرهاب المكلف اقتصاديا من جهة ويعاني تراجع الإيرادات من جهة أخرى.

فموازنة عام 2016 التي أقرتها الحكومة في الثامن عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر، ووصلت مجلس النواب قبل أيام بانتظار التصويت عليها بلغت نسبة العجز فيها 26.5 في المئة من أصل إجمالي نفقات قدرها 113.5 تريليون دينار عراقي أي أن العجز المخطط له يبلغ تقريبا 29.5 تريليون دينار حيث أن إجمالي الإيرادات يبلغ 84 تريليونا فقط.

مشكلة الموازنة هذه تنقسم الى قسمين أولها يتعلق باحتمالية عدم مقدرة العراق على تحقيق إجمالي الإيرادات البالغ 84 تريليون بالأساس والثاني مرتبط بالعجز البالغ 29.5 تريليون والذي ستدخل آليات تغطيته العراق في متاهة مالية لا تعرف نهايتها.

وبالحديث عن القسم الأول من المشكلة، فإن هذه الموازنة اعتمدت على إيرادات مبيعات النفط الخام بنسبة 83 في المئة من مجمل الإيرادات المتوقعة أي 69.7 تريليون دينار من أصل 84 تريليونا وهو رقم يصعب الوصول إليه مع عدم الاطمئنان بأن أسعار النفط في السوق العالمية ستكون متناغمة مع السعر الذي حدده العراق في موازنته بـ45 دولارا أميركيا، فضلا عن عدم معرفة ما إذا كان سقف التصدير المحدد 3.6 مليون برميل يوميا في الموازنة سيكون ممكنا وقتها.

كما أن بقية الإيرادات المنصوص عليها في الموازنة والبالغة(14.3 تريليون دينار والمقرر تغطيتها من الإيرادات غير النفطية قد تكون هي أيضا غير ممكنة في حال لم تكن الأمور كما تم التخطيط لها من قبل الحكومة لاسيما وأنها تعتمد على ضرائب ورسوم وغيرها من إيرادات قابلة للتغيّر بين يوم وآخر.

أما القسم الثاني من الموازنة والمتمثل بالعجز المخطط له فهو نابع من آليات الحصول على الأموال التي تكفي لتغطية هذا العجز فهي في أغلبها عبارة عن قروض وسندات دولية قد توفر للعراق ما يريده خلال العام المقبل لكنها تفاقم من مشاكله في أعوام لاحقة واللافت أن الموازنة رجحت إصدار العراق للسندات الدولية التي تراجع عنها رسميا.

كل هذه الأسباب وضعت إجراءات الحكومة العراقية أمام استفهام وقلق كبيرين من خبراء الاقتصاد الذين لا يبدون مطمئنين بأن العام المقبل سيمر بسلام مع كل المشاكل الأخرى التي تواجه العراق بدءا بمعضلته الأمنية مرورا بأزمته السياسية وانتهاء بالكثير غيرهما.

فالدول النفطية الأخرى كفنزويلا على سبيل المثال وإن كانت ظروفها الأخرى أفضل من العراق لكنها لم تدخل نفسها في دوامات غير محمودة العواقب، بل وضعت في الحسبان خططا وصفت عالميا بالجريئة لتلافي تقلبات مزاج سوق النفط العالمية من خلال تقليل السعر المحدد الى 40 دولارا وليس 45 فضلا عن عدم اللجوء الى القروض الخارجية كما فعل العراق.

ويقول بسام باسم وهو باحث اقتصادي “الحكومة العراقية تغامر بل هي تقامر في لعبة خطرة لا يمكن التكهن بعواقبها فالنظرة التفاؤلية لا يمكن أن تؤدي الى نتائج إيجابية بمجرد التفاؤل من دون أن يكون هنالك جواب لكل سؤال يتعلق بتبعات كل خطوة تقرر الحكومة اتخاذها”.

ويضيف باسم “تحديد سعر نفط مرتفع وسقف عال للتصدير ووضع أرقام غير مؤكدة من الإيرادات غير النفطية والاعتماد على قروض كبيرة كلها مؤشرات مخيفة لما سيكون عليه الوضع الاقتصادي للعراق إذا لم يكن هنالك خط واضح للحكومة باتجاه الحصول على الموارد الكافية لسداد كل هذه المبالغ الموضوعة في الموازنة”.

ويبدي باسم خشيته من عدم تمكن الحكومة العراقية من سداد القروض التي تحاول الاستفادة منها لسد عجز الموازنة ما يؤدي الى عجز أكبر في موازنات البلاد اللاحقة وهو يعني تفاقم الأزمة تدريجيا بنقلها من عام لآخر.

كما دخلت أطراف دولية على الخط مبدية قلقها من آليات الحكومة العراقية لسداد عجز الموازنة كالولايات المتحدة الأميركية التي أعربت عن هذه المخاوف صراحة لوزير المالية العراقي هوشيار زيباري على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون التمويل المالي والتنمية الدولية السفيرة ليزا كوبيسكي خلال المؤتمر الدولي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في ليما عاصمة بيرو.

إلا أن مؤسسات دولية كبرى كصندوق النقد الدولي وغيره من بنوك ومؤسسات تؤمن بأن العراق لن يعاني من أزمة في السيولة رغم أنه تراجع رسميا عن إصدار سندات دولية بسبب عدم اطمئنان الجهات المانحة لهذا الأمر ما دفعها الى فرض فوائد مرتفعة كادت لتخنق العراق لسنوات طويلة.

فصندوق النقد الدولي سائر بمنح العراق قرضا لم تكشف قيمته بعد لكنه سيكون أضعاف التمويل الطارئ الذي وافق الصندوق عليه في يوليو/تموز، والذي بلغت قيمته 1.24 مليار دولار أميركي.

ويقول مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق إن “الصندوق قد يمنح العراق قرضا كبيرا في 2016 لمساعدته على تحقيق الاستقرار المالي، في الوقت الذي تعاني فيه بغداد بسبب هبوط أسعار النفط والحرب التي تخوضها ضد داعش”.

ويضيف أحمد إن “بغداد ليست معرضة حاليا لخطر نفاد السيولة لأنها تستطيع تأجيل مشروعات الاستثمار والاعتماد على تمويل البنك المركزي إذا استدعى الأمر، لكن الحكومة بحاجة لوضع خطة واضحة وشاملة لإصلاح ماليتها وبرنامج صندوق النقد الدولي قد يساعد في ذلك”.

كما يعرب أحمد عن أمله ببناء ما وصفه بسجل لتطبيق السياسات ليكون أساسا لبرنامج تمويل آخر من صندوق النقد الدولي في وقت لاحق من العام 2016.

ويعوّل العراق على هذا القرض الكبير وغيره من قروض أشارت إليها الموازنة في تغطية العجز بل والذهاب أيضا ابعد من ذلك في الاعتماد عليها في مواجهة أي طارئ محتمل.

ويبدو أن الضغوط التي تفرضها ضرورة دفع تكاليف الحرب ضد الإرهاب والنفقات التشغيلية التي تحرك الاحتجاجات الشعبية في البلاد فضلا عن مستحقات شركات النفط العاملة في البلاد والتي توفر المورد الأهم، كلها عوامل تجعل العراق يخاطر في إقرار موازنة يراها البعض مخيفة، فالمشاكل المالية ربما تكون أهون من المشاكل الأخرى لاسيما إن تعلقت بانفلات الأمن أو خروج الاحتجاجات عن السيطرة مثلا، أو امتناع شركات النفط عن تأدية أعمالها. (نقاش)

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى