قيود الاقتصاد… تكبح طموحات “الجمهوريين” (ترودي روبين)

ترودي روبين

 

عدت تواً من عطلة ممتعة قضيتها في ولاية "مين"، في الوقت المناسب تماماً لمتابعة الضجة الشديدة التي ترافق دائماً المؤتمر العام لكل حزب من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، في عام الانتخابات الرئاسية.
بمعنى من المعاني، فإنني أحس بأنني انتقلت من دنيا الأحلام إلى الواقع، أي من العطلة وما رافقها من استمتاع إلى الحديث عن توقعات السياسة الخارجية لـ"رومني"، وأداء أوباما- ومتابعة فعاليات مؤتمر الحزب "الجمهوري".
وبعد أن قرأت برنامج السياسة الخارجية للحزب "الجمهوري"، والنقد اللاذع الذي وجهه "أوباما" له، فإنني استطيع قول ما يلي: إن سياسة رومني الخارجية سينتهي بها المطاف إلى أن تصبح- لحد كبير- مشابهة لسياسة أوباما، على الرغم من دعوته إلى "قرن أميركي" مختلف يكون لدينا فيه أقوى قوة عسكرية، وأقوى اقتصاد في وقت واحد. فعلى الرغم من هذه الدعوة المتفائلة، فإن "رومني" إذا أصبح رئيساً، سيواجهه من حقائق الواقع ما يجعله يدرك بأنه كان مبالغاً لحد كبير في دعوته هذه.
بداية، يرجع ذلك إلى أن جزءاً كبيراً من برنامج السياسة الخارجية للحزب الجمهوري ودعوته لقيادة أميركا العالمية، يركز على تعزيز حجم، وتطوير تسليح ومعدات القوات المسلحة الأميركية. ليس هذا فحسب بل إننا نكتشف أن "رومني" يرغب في زيادة الإنفاق العسكري، في نفس الوقت الذي يريد فيه تخفيض الضرائب. وهذا الحلم سرعان ما سيبهت، إذا ما وصل "رومني" إلى البيت الأبيض، حيث سيجد أن الأرقام التي حددها سواء لزيادة الإنفاق الدفاعي أو للخفض الضريبي، لن تتفق.
وفي الحقيقة أن أكبر تهديد للميزانية الدفاعية الأميركية يأتي من الاستقطاعات الدفاعية الشاملة لكافة القطاعات، والتي ستبدأ حتماً إذا لم يتمكن الحزبان الرئيسيان في الولايات المتحدة من الاتفاق على خفض العجز في الميزانية العامة للدولة، وعلى الآليات التي سيتم بها ذلك. والعبء في ذلك سوف يقع على كاهل "الجمهوريين" لأنهم هم الذين صوتوا من أجل الاستقطاعات التلقائية، ورفضوا النظر في إمكانية التوصل لتسوية أو حل وسط مع "الديمقراطيين" من أجل تلافي تلك الاستقطاعات.
وحتى إذا ما وقعت المعجزة ونجح الحزبان الرئيسيان في التوصل لحل وسط، فإن الميزانية لن تتمكن من إدامة ذلك النوع من الميزانيات الدفاعية التي يحلم بها "الجمهوريون". وسيجد الرئيس "رومني" نفسه في نهاية المطاف مضطراً لإجراء ذات الحسابات التي أجراها من قبل"أوباما"، والتي تتمحور كلها حول إجابة السؤال: كيف يمكن حماية الأمن القومي الأميركي وإدامة القيادة الأميركية للعالم في عصر الميزانيات المكبلة بالقيود؟
وهناك إشارات على أن بعض من شاركوا في صياغة برنامج الحزب الجمهوري قد أدركوا هذه المشكلة. فالوثيقة المتضمنة للبرنامج، تجاهلت العراق، وقلما ذكرت أفغانستان(إلا عند الرغبة في انتقاد خطة أوباما الرامية لسحب 30 ألف جندي من القوات الموجودة في ذلك البلد قبل انتخابات نوفمبر)، ومع ذلك نجد أن "بول رايان"، الرجل الذي وقع عليه اختيار "رومني" لمنصب نائب الرئيس على تذكرته الانتخابية ، قال إنه يعتقد أن تحديد أوباما لعام 2014 لسحب معظم القوات الأميركية الموجودة في أفغانستان يعتبر"معقولاً من الناحية الزمنية".
يعني ذلك أن "الجمهوريين" قد توصلوا- مثلما توصل أوباما من قبل- إلى قناعة مؤداها أننا لا نستطيع الاحتفاظ بقوة مقاتلة كبيرة في دول أجنبية إلى ما لا نهاية. ومن المتوقع أن يؤدي نفس هذا التصادم مع الحقائق إلى التخفيف من غلواء بعض أحلام السياسة الخارجية للحزب "الجمهوري".
ففي مجال مكافحة الإرهاب، يهاجم برنامج "الجمهوريين”- بغرابة تامة- أوباما لإسقاطه عبارة "الحرب على الإرهاب" من الخطاب الرسمي الأميركي، ولضعف استجابته للإرهاب. أما قراره بإعطاء الضوء الأخضر لعملية القضاء على أوباما فلم يستدع – بالكاد- سوى تعليق ساخر ومقتضب. ولكن الشيء المؤكد من وجهة نظري أن "رومني" سوف يجد نفسه إذا ما أصبح رئيساً، يتبع نفس خطوط سياسة مكافحة الإرهاب التي اتبعها أوباما وهي استخدام القوات الخاصة والطائرات التي تطير من دون طيار لأنه ليس هناك سوى بدائل محدودة وغير فعالة لذلك.
أما بالنسبة لإيران والجهود الأميركية لإيقاف برنامجها المشبوه لتخصيب اليورانيوم فإن البرنامج الانتخابي "الجمهوري" ينتقد فشل"سياسة الاحتواء" التي اتبعها أوباما متناسياً الجهود الجبارة التي بذلته إدارتها من أجل فرض المزيد من العقوبات لحصار النظام الإيراني وتكثيف الضغط عليه.
وبالنسبة لإسرائيل التي تعد وثيقة برنامج الحزب "الجمهوري" بتقديم"دعم غير مشروط لها" لها فإن رومني سوف يجد نفسه في نهاية المطاف وجهاً لوجه أمام نفس الحقائق التي وجد أوباما نفسه أمامها . فأوباما أيضاً قدم دعماً غير مشروط لإسرائيل، وروج لحل الدولتين، وهو نفس الحل الذي يدعو إليه برنامج "الجمهوريين"، ولكن هذا الأخير يغض الطرف عن السياسة، التي إذا ما استمرت إسرائيل في اتباعها، فإنها ستجعل من حل الدولتين غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، ألا وهي سياسة التوسع في المستوطنات في الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن البرنامج "الجمهوري" يوجه النقد لأوباما على محاولته "غير الناجحة" لإقناع إسرائيل بأن سياستها الخاصة بالتوسع في المستوطنات هي سياسة مدمرة للنفس، إلا أنه سيجد نفسه في نهاية المطاف مضطراً للتعامل مع أصداء هذه السياسة.
خلاصة الأمر أنه من السهل على مرشح الرئاسة الأميركية أن يتبنى خطاباً متشدداً، وأن يقلد مواقف رؤساء سابقين عند كتابة رؤيته للسياسة الخارجية، ولكن مما لا شك فيه أن ذلك المرشح سوف يجد- في ظل ظروف الأزمة الاقتصادية المالية والاقتصادية- أن إبراز القوة الأميركية في العالم سيكون أصعب بكثير، وسيحتاج إلى حسابات دقيقة.
وتوقعي بالنسبة لهذا الأمر- كما هو الحال بالنسبة لغيره من أمور- أن رومني سوف يجد نفسه مضطراً لاقتفاء أثر أوباما على نحو أبعد مما كان يتوقع… ومما كان يحب.

 

صحيفة الاتحاد الإماراتية
نشرت بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى