إمارة الحج في العصر العباسي (خالد عزب)

 

خالد عزب

تزخر جامعة أم القرى بالعديد من الدراسات التي لم تنل حظها على رغم مستواها العلمي الرفيع، ومن هذه الدراسات أطروحة الماجستير للباحث سليمان صالح كمال عن إمارة الحج في العصر العباسي.
تكمن أهمية هذه الدراسة الآن في تراجع الاهتمام بتاريخ الحقبة العباسية خلال العقود الثلاثة الماضية بعد أن ازدهرت على يد الأستاذ في كلية الآداب بجامعة أسيوط حسن إبراهيم حسن في أربعينات وخمسينات القرن العشرين وتبعه في ذلك تلامذته في العديد من الدول العربية، إلى أن برزت مدرسة التاريخ العباسي في جامعات العراق، خصوصاً جامعتي بغداد والموصل، إلى ما وصلنا إليه من تراجع في دراسة هذه الحقبة والاهتمام بنشر مصادرها ودراستها.
الأطروحة قام فيها الباحث سليمان صالح كمال بالتأريخ لإمارة الحج منذ عصر الرسالة. ففي السنة التاسعة للهجرة عين الرسول، صلى الله عليه وسلم، أبا بكر الصديق أميراً على الحج، وأرسل معه مالاً لإطعام الحجاج. كما تولى عليه الصلاة والسلام إمارة الحج بنفسه في السنة الثالثة، السنة العاشرة للهجرة، حيث حج حجة الوداع التي أبان فيها للمسلمين مناسكهم وسار الخلفاء الراشدون على نهجه، إذ تولوا إمارة الحج بأنفسهم وعملوا الخدمات لراحة الحجاج.
وفي العصر الأموي تولى عدد من الخلفاء الأمويين إمارة الحج، وأبان البحث ما عمله هؤلاء من خدمات وأعمال بر على سكان الحرمين الشريفين، بالإضافة إلى إسهامات أمراء الحج من الولايات الدينية المهمة.
اهتم العباسيون اهتماماً كبيرا بخدمات الحجاج، فحينما تولى أبو العباس السفاح الخلافة سنة 132 هجرية، 749 ميلادية اهتم بطرق الحج وكان من بينها طريق الجادة، إذ أمر بأن يضرب المنار وتعمل الأميال من الكوفة إلى مكة، وأقام القصور من القادسية إلى زبالة، وبخاصة بعد إسناد إمارة الحج لأمير الكوفة عيسى بن موسى، ساهمت الأميال في تعريف قوافل الحجاج السالكة للطريق على مقدار المسافات التي تقطعها، كما كانت تهديهم في سفرهم إلى سلوك الطريق الصحيح، كذلك ساعدت القصور التي بنيت على امتداد الطريق أمراء الحج على الراحة حين ينزلونها، وعلى رغم أنها كانت للأمراء إلا أن المسافرين كانوا يستخدمونها.
وأفرد الباحث مبحثاً مهماً حول واجبات الحج التي تبلورت في العصر العباسي، على النحو التالي: أن يجمع الناس في سيرهم ونزولهم. ترتيبهم في المسير والنزول بإعطاء كل طائفة قائداً يقودهم ويكون مسؤولاً عنهم. أن يرفق بهم في السير حتى لا يعجز عنه ضعيفهم ولا يضل عنه منقطعهم. أن يوفر لهم المياه. أن يدافع عنهم ضد غارات المعتدين. أن يراعي اتساع الوقت من أول سفره بهم لكي يصل إلى الأراضي المقدسة في الوقت المناسب والزمن المطلوب. ومن الواجبات التي يجب أن ينظر فيها أمير الحج بنفسه تكفله بالفقراء الذين معه في القافلة.
حدد الباحث الشروط التي يجب أن تتوافر في أمير الحجاج، منها: أن يكون مطاعاً ذا رأي وشجاعة وهيبة وهداية، والفقهاء جعلوا إمارة الحج على ضربين أحدهما أن تكون على تسيير الحجيج والثاني على إقامة الحج، لذا جعلوا لأمير الحج حقوقاً، منها أن تكون الطاعة له في غير معصية الخالق وأن يصبر الحاج ما يبدر منه. وذكرت المصادر التاريخية أنه في موسم 236 هجرية تولى إمارة الحج الحاج محمد المنتصر ابن الخليفة المتوكل، وكان برفقته جدته «شجاع»، ووصف بالهدى وحسن الأخلاق في معاملته مع الحجاج وفي طريقه إلى الحرمين الشريفين حيث حمدت سيرته.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى