الانتخابات الرئاسية التركية 2014-الجزء الثاني

 

متابعة– تاريخ الانتخابات الرئاسية التركية:

الوسطي الأكاديمي

ولد أكمل الدين إحسان أوغلو في القاهرة العام 1943 لعائلة تركية، درس العلوم في جامعة عين شمس وتخرج منها العام 1966. حصل على الدكتوراه من أنقره العام 1974 وتخصص في العلاقة بين العلم والدين وتاريخ العلوم وعمل أستاذا زائرا في جامعات تركية وأوروبية. بعدها عمل لمدة عشر سنوات سكرتيرا عاما «لمنظمة التعاون الإسلامي»، كأول تركي يشغل هذا المنصب. نقطة القوة في حملة إحسان أوغلو ليس سجله السياسي، إذ لم يعرف عنه نشاط سياسي حزبي طيلة حياته، وإنما لكونه مرشح المعارضة التركية ممثلة في حزب «الحركة القومية» اليميني وحزب «الشعب الجمهوري» اليساري في مواجهة أردوغان. عند إعلان ترشح إحسان أوغلو لمنصب رئاسة الجمهورية التركية، خرج كمال كيليشيدار أوغلو زعيم حزب «الشعب الجمهوري» على الأتراك يداً بيد مع دولت باهشلي زعيم حزب «الحركة القومية» ليقول: «نقترح اسما سيوافق عليه كل شخص وسيصنع نموذجا بسمعته وإخلاصه وعلمه وخبرته: أكمل الدين إحسان أوغلو». سيحصل إحسان أوغلو على أصوات المؤيدين للحزبين، وربما أيضاً على أصوات إسلامية لم تعد ترى في أردوغان رمزها المفضل. ولقدرته النظرية على استمالة أصوات إسلامية، فقد قرر حزبا المعارضة ترشيحه في إجماع نادر بينهما. وفقاً للمعطيات القائمة، فقد ضمن إحسان أوغلو ـ على الأرجح ـ المركز الثاني في السباق، وربما يفجر المفاجأة ويدخل دورة إعادة مع أردوغان. ببساطة يمكن القول ان إحسان أوغلو هو مرشح اللحظة أو المرة الواحدة، إذ لا شعبية مخصوصة لديه وجاء ترشحه لاعتبـارات تكتيكـية وتوافقـية وليس لحيثياته الشخصية في حد ذاتها.

اليميني الطموح

ولد رجب طيب أردوغان العام 1954 في مدينة ريزه الساحلية على البحر الأسود، لأسرة ذات أصول جورجية. عمل أبوه في خفر السواحل التركية وانتقلت عائلته إلى اسطنبول وعمر رجب طيب حوالي ثلاثة عشر عاماً، فعمل بائعاً متجولاً للسميط والليموناضة، كي يعاون نفسه على تكاليف معيشته. تخرج أردوغان من جامعة مرمرة في كلية التجارة والاقتصاد العام 1981، وقبلها من مدرسة «إمام خطيب» الدينية. دخل أردوغان حلبة السياسة مبكراً، وصعد أول درجات السلم مع توليه منصب محافظ اسطنبول خلال الفترة الواقعة بين 1994 وحتى 1998. دخل رجب طيب السجن لترديده أبياتاً من الشعر، اعتبرتها المحكمة متصادمة مع الأسس العلمانية للجمهورية، وهناك في السجن اختمرت فكرة الانفصال عن معلمه نجم الدين أربكان وتكوين حزب إسلامي معتدل. فاز حزبه في الانتخابات البرلمانية العام 2003، ومن وقتها يشغل أردوغان منصب رئيس الوزراء.
إذا فاز أردوغان بالرئاسة كما هو راجح، فسيقوم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم الذي يملك الأغلبية في البرلمان باختيار بديل له في رئاسة الوزراء، وربما تجرى انتخابات برلمانية مبكرة (مقرر لها منتصف حزيران 2015) لحسم تشكيلة البرلمان وهوية رئيس الوزراء القادم. إذا خسر أردوغان الانتخابات الرئاسية فسيظل محتفظاً بموقعه كرئيس للوزراء ولا حاجة دستورية له كي يستقيل من منصبه بغرض الترشح لانتخابات الرئاسة. المرجح أن يتداخل أردوغان كرئيس للجمهورية في الشأن السياسي بفعالية، على خلاف الرؤساء السابقين، وهو لم يخف أبداً طموحه القاضي بتعديل النظام السياسي التركي لتصبح تركيا دولة رئاسية وليست برلمانية كما هو الحال الآن. ما زال أردوغان متمتعاً بتأييد واسع من جمهور حزب «العدالة والتنمية»، وبمساندة الشطر الأكبر من النخبة الاقتصادية التركية التي تراه مرشحها المفضل.

الخلاصة

لن تؤثر نتيجة الانتخابات الرئاسية التركية في سياسية تركيا الخارجية في حال فوز أردوغان، إذ ستستمر سائرة في إطارها العثماني الجديد بوجود أردوغان في الرئاسة وبترشيح رئيس جديد للوزراء يرضى عنه أردوغان ويسير في ركابه. ما سيتغير حكماً هو تشكيلة النظام السياسي التركي، الذي سيميل أكثر فأكثر إلى النظام الرئاسي وليس البرلماني، وإلى شخصنة متزايدة للسياسة لم تعرفها تركيا منذ وفاة مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك. ستلعب نسبة الأصوات التي سيحرزها أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة مؤشراً على سرعته في إحداث التغيير بالنظام السياسي التركي نحو الجمهورية الرئاسية، إذ كلما زادت الأصوات المؤيدة له ارتفعت وتيرة التغيير المرتقب. وسواء اختلفت أم اتفقت مع أردوغان وسياساته، سيشكل فوزه بانتخابات الرئاسة التركية فصلاً جديداً من تاريخ النظام السياسي التركي وسيدخل أردوغان التاريخ بوصفه أحد أكثر الزعماء السياسيين إشكالية وطموحاً في تاريخ الجمهورية التركية. بدوره، يجسد طموح أردوغان السياسي مفارقة نادرة، إذ كلما تحقق ذلك الطموح وترسخت تلك الشخصنة السياسية وتماهى النظام السياسي مع شخصه، اقتربت تركيا أكثر فأكثر من السياق العام في الشرق الأوسط!

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى