الجامعات المصرية تنتفض في وجه السلطة الجديدة (أمينة خيري)

 

أمينة خيري

ضفة النافذة التي تتقاذفها رياح شهر أيار (مايو) المتأرجحة بين سخونة صيف مقبل وأتربة ربيع كريه تنبئ بكارثة، هي ضفة نصف مخلوعة: نصف مثبت، نصف مطلي ونصف أكله الصدأ، لكن الأهم من ذلك أنها مع كل اهتزازة تنذر باحتمال شبه مؤكد بوقوعها على رؤوس من دفعهم حظهم العاثر للمرور أسفل نافذة المدينة الجامعية! الضفة تتطاير منذ ما يزيد على شهر، لكن أحداً لا يشغل تفكيره بها!
كثير من الإهمال والعنف والبلطجة والدماء والتدني السلوكي والفساد، وقليل من العلم. الجامعات المصرية تشهد حالة غامضة من الحراك المتزامن والبلطجة المصحوبة بانفلات أمني غير معهود تحت متلازمة كلاسيكية تاريخية رسمية اسمها «كل شئ تمام»!
لكن حال الجامعات أبعد ما يكون عن التمام، فالطلاب حين يرفعون صوتهم سائلين مستنكرين «حق الطالب فين؟»، والبلطجية حين يغيرون على حرم الجامعات المصرية بالأسلحة البيضاء والعصي الخشبية وقتما يشاؤون، والأساتذة حين يجدون أنفسهم بين سماء الوعود وأرض الحنث بها، والكتاب الجامعي حين يكون في متناول يد الطالب الثري فقط، ومستوى التعليم حين يكون أبعد ما يكون عن الجودة، والمدن الجامعية حين تكون في حال بغيضة من حيث النظافة والخدمة والمظهر والمحتوى… فالجامعات المصرية أبعد ما تكون عن التمام.
جامعات مصرية عدة أغلقت أبوابها لأيام، إلى حين حل كارثة البلطجة في داخلها، وأخرى تعمها الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بتحسين الأوضاع ومحاربة الفساد، وثالثة تموج بها أجواء اضطراب، ربما ناجمة عما يحدث في بقية الجامعات، أو هي تنذر بتفجر احتجاجات فيها.
فما يحدث في الجامعات المصرية ليس بعيداً من الشارع السياسي والاجتماعي الشديد الالتباس والغارق في الاستقطاب، فقد أسفرت انتخابات الاتحادات الطلابية عن تقدم ليبرالي أو مستقل غير متوقع مقارنة بتاريخ طويل من شعبية الجماعات الدينية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يعكس أولى نتائج خروج تلك الجماعات للعمل في النور بديلاً من ظلام العمل السري ودور البطولة الذي اعتبره البعض «زائفاً»!
وبين زيف البطولات وصناعة السياسات، يقف طلاب الجامعات المصرية ليكونوا نموذجاً يحتذى من قبل القوى السياسية المتصارعة والمتخبطة والتي ينبغي عليها أن تتخذ من المجتمع الطلابي مثلاً أعلى لها، وذلك في بناء التحالفات وجذب القاعدة الانتخابية، وتلخيص المطالب الطلابية، وتوحيد الصف للمطالبة بالحق.
«حق الطالب فين؟» هو الهتاف الذي يصدح في أرجاء الجامعات حالياً. ولحسن الحظ أن أحداً لن يستطيع تصنيف مطالبهم بـ «الفئوية»، أو اتهامهم بـ «تعطيل عجلة الإنتاج» أو تظاهراتهم بـ «محاولة إفشال الرئيس»، فأولئك الطلاب هم القلب النابض للثورة المصرية الجاري إجهاضها بكل الطرق والسبل الممكنة وغير الممكنة، لكن القلوب لا تموت مع موت الثورات، وما يحدث في الجامعات حالياً علامة من علامات الحياة.
البيان الذي صدر قبل أيام بعنوان «حق الطالب فين؟» يحوي قائمة من المـطالب تتـراوح بيـن تـأمـين المدن الجامعية وإنارة الطرق في داخل الجامعات وحولها وتوفير دوريات شرطة حولها وعدم تعدي إدارات الجامعات للوائح والقوانين، والتأكد من أن سعر الكتاب الجامعي في متناول يد الطلاب، مع عدم إجبار الطلاب على شـرائه كنوع من التربح. وتمضي المطالب قدماً في المطالبة بالإفراج عن الطلاب الذين اعتقلوا لأسباب سياسية، والاعتناء بالمستوى التعليمي والأكاديمي في داخل الجامعات.
الشعارات المرفوعة في داخل الجامعات ليست مجرد حبر على ورق، فـ «حرية – جودة – مجانية» هي مطالبات بالحرية الإنسانية وجودة التعليم مع مجانيته، وجميعها في العقد الاجتماعي الذي يفترض أن تكون الدولة أبرمته مع مواطنيها من الطلاب. و «الحرية للطلبة المعتقلين» هي تذكرة بأن الطلاب لم ينسوا زملاءهم المعتقلين، وكذلك المقتولين «اسمه جابر صلاح نزل ينادي بالحرية راح» (جيكا)! ولذلك تبدو هتافات مثل «طول ما الدم المصري رخيص يسقط يسقط أي رئيس» منطقية ومقبولة!
لكن غير المقبول –في نظر الطلاب- هو موقف ممثلي الدولة مما يحدث في جامعات الدولة، وعلى رأسهم وزير التعليم العالي، الذي يحوز نصيباً لا بأس به في مطالب كثيرين من الطلاب، باستثناء الطلاب المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين. الطلاب حملوا وزير التعليم الحالي الدكتور مصطفى مسعد مسؤولية ما يحدث في داخل الجامعات من انتهاكات واعتقال للطلاب، بالإضافة إلى سكوته على استمرار مسلسل الفساد والإهمال.
وبينما يتم توصيف إغلاق جامعة عين شمس لعدة أيام إلى حين حل مشكلة البلطجة، لاعتبارها كارثة غير مسبوقة، أو رؤية الحال المتردية للمدن الجامعية على أنها غير مناسبة لسكن البشر وغيرها، يرى الوزير ذلك «مبالغة».
وبعد الحديث عن ضرورة الحوار بين كل الأطراف من أجل مصلحة العملية التعليمية، وإرساء سبل التفاهم والترابط… إلى آخر قائمة المجاملات والملاطفات، قال: «هناك مبالغة فى تصوير ما يحدث فى الجامعات المصرية لإظهار أن فيها مشاكل تصل الى حد وصفها بالنيران المشتعلة فى كل الاتجاهات». وأضاف أن بعض الجامعات، وليس جميعها، يعاني مشكلات، وأن هناك جامعات تنتظم فيها العملية التعليمية على أكمل وجه. ولخص الوزير أسباب المشهد الراهن في الجامعات المصرية بالمرحلة الانتقالية الحالية والتوتر السياسي والتأثير الإعلامي وارتفاع سقف المطالب واستمرار التظاهر والانفلات السلوكي ومحاولات بث الفتنة التي تأبى أن تتوقف.
وهذا يعني أن ما تعانيه الجامعات المصرية حالياً لا يمت بصلة الى سوء الإدارة أو التخبط أو تدني مستوى التعليم أو التقصير أو الضرب عرض الحائط بالقوانين أو إهمال الضمير والقانون في إصلاح الفساد، أو استمرار السياسات القديمة من دون تغيير.
التغيير الذي يطالب به طلاب الجامعات، لا سيما غير المنتمين الى الجماعات الدينية، لم يتحقق بعد. وإذا كانت التهم المعلبة السابقة التجهيز، والمتعلقة بـ: التأجيج الإعـلامي، والدعم الفلولي، والثورة المضادة، ومحاولات إفشال الرئيس، والـتظاهر الفئوي، والقلة المندسة، والأصابع، الداخلي منها والخارجي، والقرد والقرداتي، والحارة المزنوقة، وغلمان بني ليبرال، والقوى الصهيوليبرالية، والاستقواء بالداخل… إلى آخر القائمة، يمكن إلصاقها بكل من هب ودب في مصـر، فإن طلاب الجـامـعات المصرية يتمتعون بـمنـاعة مـنطـقـيـة منـها، فهم قلب الثورة وعقل التغيير وأداته وهدفه.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى