الضربة الجوية الأمريكية في دير الزور : هل كانت تنهي الحرب أم تشعلها أكثر؟!

حطمت الهجمات الجوية الأمريكية على مواقع الجيش السوري في جبل ثردة قرب مطار دير الزور العسكري، والتي تسببت في سقوط 62 عسكريا سورياً وجرح أكثر من مائة كانوا يخوضون قتالا ضد مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” داعش، حطمت آمال السوريين الذين أحسوا أن ثمة تقدما ما يجري على الأرض لصالح إنهاء الحرب في سورية إثر توقيع التفاهمات الروسية الأمريكية قبل العيد.

وكان منشأ هذا التشاؤم هو الذهاب بعيدا في المعاني التي يحملها الهجوم فيما لو أدى إلى نتائج كارثية في الشمال الشرقي السوري، فقد كان يمكن أن ينتج عنه سقوط دير الزور بيد داعش بعد سقوط المطار، وأن داعش ستمد حدودها من الرقة إلى الدير إلى العراق..

وإذا حصل ذلك ، فإن الخارطة ستتغير من جديد، وتظهر على الأرض مستجدات أقلها تدخل أميركا وتركيا في دير الزور التي تتصل بدورها مع الحسكة ، وتتحول المعطيات المتعلقة بالتفاوض على المنطقة إلى معطيات : هات وخود كما يعتقد أغلب السوريين المتابعين للمستجدات السياسية والمستجدات العسكرية وترابطها بها، وهات وخود تؤدي حكما إلى التقسيم ! .

وإذا لم يحصل ذلك، فإن الحرب ستمتد وسيزداد أوارها، وستشهد الجزيرة السورية بمحافظاتها المتصلة مذابح كبيرة تفرغها من السكان ، وتعيد المجتمع الدولي إلى أول الطريق.

وفي تعليقات سورية متتالية، كان واضحا الاتهام السوري لأميركا بأن هذا الارتكاب كان مقصودا، ولم يكن عفويا أبدا، وإذا كان من الضروري البحث في مثل هذا التصور، فإن الافتراض السيء الأول هو الذي يجعل صورة التحليل السياسي والعسكري السوري أقرب إلى الواقع ، فماذا لو سقط مطار دير الزور بيد داعش وماذا لو سقطت دير الزور بعدها، ثم ماذا لو تحركت القوات الكردية المدعومة من أميركا واستولت على الحسكة ، كما حصلت في المحاولات الأخيرة لقوات سورية الديمقراطية ؟! وماذا ستفعل تركيا عندها؟ وهل ستقف إيران صامتة؟ وكيف سيتصرف الروس؟

هذا الافتراض السيء، ينتج عنها مشروعية الاعتقاد السوري أن العمل مقصود ، لأن نتائجه المفترضة كانت تتجه لتحقيق أكبر كارثة في الحرب السورية ترتبط بالجغرافية السياسية، وهي : فصل الشمال السوري نهائيا عن سورية التي تسميها أميركا ((سورية المفيدة)) الممتدة من اللاذقية إلى دمشق .

كانت الضربة ستكون حاسمة، وتؤدي إلى شكل من أشكال نهاية الحرب بالتقسيم ، فكيف يمكن استعادة كل هذه المساحة من داعش وغير داعش، وهل ستستفيد تركيا من هذا المستجد لتطلب التواجد الدولي في هذا الشريط في منطقة آمنة واسعة ؟ وكيف سيتعامل الأكراد مع المسألة !

كل الأسئلة تفرض نفسها عند وقوع هذا الاحتمال، وفي التدقيق في الرد السوري يمكن تلمس معنى آخر للتخوف السوري الرسمي من تبعات الحدث، فعلى الفور وقبل أن يدفن ضحايا الهجمات الأمريكية كان الجيش السوري قد استعاد المواقع من داعش لأن الحدث أخطر مما يظن الآخرون .

أفرد الحدث في تبعاته معطيات أخرى في الحرب السورية، فسقوط الاتفاق الروسي الأمريكي إذا حصل نتيجة هجمات جبل الثربة، يعني عودة التفكير لعمليات عسكرية واسعة النطاق يقوم بها الجيش السوري بدعم روسي غير محدود لتغيير ميزان القوى بشكل جذري ؟ وإذا ماحصل هذا ماذا سيكون الموقف الأميركي، وهل يمكن أن تنتقل المواجهة إلى أبعد من المواجهات الدبلوماسية التي تجري بين الطرفين الروسي والأمريكي حاليا، ويحسمها المزيد من الحوار، أم أن الحوار سيتراجع ، وعندها ماذا سيحل محله؟!

هناك ملاحظة على غاية الأهمية تتعلق بالجانب الإقليمي، فالدور الإيراني لم يتراجع عن واجهة الحرب وإن كان الجانب الروسي قد ظهر في المقدمة ، وهذه المسألة ليست جديدة تماما، فإن إيران معنية تماما بالمستجدات . ولكن الافتراض ((الذي لم يحصل)) من هجمات القوات الجوية الأمريكية، أي سقوط دير الزور والحسكة بعدها ، كان سيهز إيران إلى أبعد الحدود ويستنفر كل قواها للحد من آثاره على إيران و سورية والعراق.

أما الجانب التركي، فأمامه خطر أكبر من داعش ، هو الخطر الكردي، فالجميع يحشدون ضد داعش، ولا أحد يساعده ضد عدوه القومي اللدود الكردي، فإذا كان الجانب التركي يعضّ على أسنانه وهو يراقب بحذر، فإنه في الوقت نفسه يمضي بقوة باتجاه تشكيل أمر واقع يفيد في إنجاز ما يوازي فكرة المنطقة الآمنة التي يسعى إليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى