مَن يوقف اطلاق النار في سوريا؟

ينص البيان الختامي لمؤتمر فيينا الخاص بالأزمة السورية على اطلاق عملية سياسية يسبقها وقف لإطلاق النار. وإذا ما كان وزير الخارجية الاميركي جون كيري قد استثنى جبهة النصرة وتنظيم داعش من ذلك، باعتبارهما تنظيمين ارهابيين فهل يعني ذلك أن المئات من الجماعات المسلحة التي تقاتل على الارض ستكون جزءا من العملية السياسية؟

المسافة العقائدية التي تفصل بين تلك الجماعات وجبهة النصرة على سبيل المثال ليست كبيرة. بل أن بعضا من تلك الجماعات ما هو إلا جناح منشق من جبهة النصرة أو من داعش. كانت هناك عبر الاربع سنوات الماضية تحالفات كثيرة انتهت إلى الافتراق، بعد أن انتهت عملية تقاسم المغانم. ومثلما استباحت داعش المناطق التي وقعت تحت سيطرتها فإن الجماعات الاسلاموية المتشددة لم تكن أقل توحشا.

لقد استبيحت سوريا، بشرا وحجرا من قبل كل القوى التي جعلت من شعار اسقاط النظام ذريعة لنشاطها الاجرامي مدفوع الثمن. وهو ما لم تتستر عليه الدول الاقليمية التي مولت تلك القوى بالمال والسلاح وفتحت لها طرق الامداد بالمقاتلين الجدد، القادمين من مختلف انحاء الارض، بحثا عن ممارسة هوايتهم في القتل، تمهيدا لإنتقالهم إلى آخرة، ستكون هي الآخرى مدفوعة الثمن.

ولا أظن أن في إمكان أحد أن ينكر أن هناك تداخلا في الجبهات، سيعيق عمل تقنيي فيينا وهم يسعون إلى انتزاع المقاتلين (غير الارهابيين) من العجينة التي صنعتها التنظيمات الارهابية. فلطالما سمعنا أصواتاً من داخل المعارضة الرسمية التي ستكون جزءاً من الحل السياسي وهي تتغنى بانتصارات جبهة النصرة. فهل يستقيم ذلك التغني مع الاصرار الاميركي على اعتبار جبهة النصرة جماعة ارهابية.

المعطيات على الارض تقول ان فصل الارهابي عن غير الارهابي في الحرب السورية لن تكون عملية مجدية. فبعد أن تم تذويب الجيش السوري الحر من خلال قطع الامداد عنه وحرمان مقاتليه من التمويل واجبارهم على بيع أسلحتهم والانضمام إلى التنظيمات الاسلاموية المتشددة وفي مقدمتها تنظيم داعش وجبهة النصرة فإن الامل في العثور على مقاتلين وطنيين سيبدو ضئيلا.

اما أن يتم اختراع جهات معتدلة لتكون طرفا في الحوار السياسي فذلك أمر ممكن، غير أنه يرتبط أيضا في إمكانية السيطرة على الجماعات المسلحة ودفعها إلى الالتزام بوقف لاطلاق النار، وهو أمر ممكن أيضا من خلال اغراق تلك الجماعات بالمال ولكن هل يضمن هذا التصرف امكانية اخراجها بهدوء من المعادلة السورية؟ ما أخشاه أن تدافع تلك الجماعات عن وجودها مثلما فعلت الميليشيات في ليبيا.

وجود تلك الجماعات صار امرا مفروغا منه، وهو ما يضفي على المسألة السورية تعقيدا مضافا. ذلك لأن اندماجها بحياة ما بعد الحرب مشكوك فيه ولا يدعو إلى الاطمئنان كما أن خروجها من سوريا غير مسموح به دوليا. فمَن ذهب إلى سوريا مقاتلا لن يَسمح له بالعودة منها إلى مكان اقامته الاصلي، فرنسيا كان أم تونسيا. الامر سواء. وهو ما سيدفع بالمقاتلين إلى التصلب في الدفاع عن حقوق افترضوا أنها صارت جزءا من بداهات وجودهم على الارض السورية.

وهكذا سيكون على عرابي فيينا أن يواجهوا حقيقة أن الخروج من المأزق في سوريا سيكون أكثر من صنع ذلك المأزق. فمَن أدخل الجماعات المسلحة إلى الاراضي السورية لن يكون مستعداً لتبني عملية اخراجها كما أن تلاشي دور المعارضة السياسية من جهة قوتها الفعلية على الارض قد أدى إلى غياب الدهة التي يؤمل أن تكون طرفا في حوار سياسي يكون النظام طرفه الآخر. واخيراً فإن زمناً من الصراع المسلح قد خلق نوعاً جديداً من الولاءات الشعبية، لن يكون من اليسير التخلص منه. لا النظام ولا معارضته ولا القوى الدولية والاقليمية التي تدعمهما ستكون قادرة على اعادة الامور إلى نصابها.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى