ماذا وراء سعى القاهرة للعودة إلى مبادرة حوض النيل بعد 7 سنوات من تجميد عضويتها؟

بعد سبع سنوات جمدت فيها مصر عضويتها في مبادرة حوض النيل اعتراضاً على اتفاق عينتيبي، والذي لا يعترف بالحصة السنوية التاريخية لمصر في مياه النيل ويعطى دول المنابع الحق في بناء السدود دون الإخطار المسبق بدأ الفريق المصري المسئول عن إدارة ملف مياه النيل في وزاراتي الخارجية والموارد المائية، جولة مفاوضات بدأت بالاجتماع الوزاري الاستثنائي في أوغندا في 29 مارس/ آذار، لايجاد صيغة تفاهم ترضي جميع الأطراف وتُمهد لعَودة مصر إلى مبادرة حوض النيل، قبيل انعقاد قمة رؤساء دول حوض النيل المقررة في يونيو المقبل في أوغندا.

دوافع وعقبات تتحكم في مساعي القاهرة للعودة إلى مبادرة حوض النيل لتأمين مصالحها المائية خشية العزلة وفقدان الحصة المائية السنوية
القرار المصري بالرجوع إلى المبادرة يظل مرهون بحل الآثار القانونية المترتبة على التوقيع المنفرد لدول منابع النيل على اتفاقية الإطار القانوني والمؤسسي المعروفة إعلامية باتفاق عينتيبي،
إلا أن تشدد دول منابع النيل بالتمسك بالاتفاقية، أنهى الجولة الأولى من المفاوضات دون التوصل إلى اتفاق حيث طالبت القاهرة مزيد من الوقت لدراسة موقفها.

وفي حديث مع “المونيتور” قال مصدر دبلوماسي مصري، مطلع على ملف حوض النيل، “الإدارة السياسية الآن تتبنى سياسات لدعم تواجدها في المحيط الإقليمي بأفريقيا، من أجل تأمين المصالح المصرية، وهناك رؤية واضحة لدينا بأن أهم مدخل لدعم الوجود المصري في أفريقيا هو منطقة حوض النيل، ولا يمكن تصور تفعيل الدور المصري في القضايا الأفريقية سواء على المستوى الثنائي أو داخل المنظمات الإقليمية في القارة، دون حل النزاع القائم مع دول منابع النيل”.

ويضيف المصدر: “هذا التوجه كان دافعاً للإدارة السياسية لحل الخلاف مع إثيوبيا حول سد النهضة بتوقيع اتفاق المبادئ لبناء الثقة”، لكنه أكد “الموقف المصري هذه المرة معقد، وهناك أراء داخل الفريق الذي يدير الملف تتجه إلى عدم العودة للمبادرة من دون إحداث اختراق قانوني حقيقي يضمن المصالح المصرية في مياه النيل، أو حتى تقبل دول منابع النيل بفتح ملف اتفاق عينتيبي وتعديل البنود الخلافية التي رفضتها مصر مسبقاً، وإلا سيكون قرار التجميد القائم منذ 7 أعوام لم يأتي بنتيجة لصالحنا”. كانت مصر قد جمدت عضويتها في مبادرة حوض النيل في يونيو 2010، اعتراضاً على توقيع ستة من دول منابع النيل على اتفاقية الإطار القانوني والمؤسسي، CFA، والتي تتضمن ثلاث بنود خلافية ترفضها مصر، وهي البند 14B الأمن المائي، مقابل عدم الاعتراف بالحصة التاريخية لمصر في مياة النيل المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب وفق اتفاقية 1959، وبند الإخطار المسبق رقم 12، والبند رقم36 الذي ينص على التصويت على القرارات بالإجماع بدلاً من الأغلبية، لضمان عدم انشاء تكتلات بين دول المعارضة للمصالح المصرية، خاصة وأن هناك اعتقادات راسخة بأن القاهرة تتمتع وحدها بنصيب الأسد من المياه. يقول المصدر: “خلال الاجتماع الأخير عرضنا تقرير فني وقانوني مفصل عن حالة النهر جيولوجياً وهيدروليكيا يشرح الرؤية المصرية لإدارة المياه وفق القواعد الدولية المنظمة للأنهار العابرة للحدود، والذي يؤكد أن مواقف القاهرة تدعمها محددات وضعها القانون الدولي، وليست نابعة من تعنت سياسي ضد التعاون مع دول حوض النيل”. يقول المصدر الدبلوماسي: “نعلم أن اقناع دول منابع النيل بتعديل اتفاق عينتيبي صعب، لكنهم يعلمون جيداً أهمية وقوة تأثير التواجد المصري، وكان لديهم العديد من المبادرات والمحاولات لإقناعنا بالرجوع للمبادرة، خاصة وأن تجميد العضوية تسبب في خسائر مالية ووقف منح عديدة كانت تتمتع بها مبادرة حوض النيل بواسطة الشركاء الدوليين في مقدمتهم البنك الدولي”، مضيفاً: “هناك تصور قانوني مصري بالاتفاق على وثيقة قانونية يوقع عليها رؤساء الدول، تتضمن عدد من المبادئ الحاكمة لإدارة مياه النيل، وتحديد الخطوط الرئيسية لأليات التعاون المشترك واتخاذ القرارات فيما يتعلق بأي مشروع على مجرى النهر، تكون لها قوة قانونية تضاهي اتفاق عينتيبي باعتبار أنه لا يزال غير نهائي حيث لم تنته كل الدول الموقعه عليه من اجراءات التصديق”. وجهة النظر الدبلوماسية اختلفت مع الجهات الفنية التي تشارك في إدارة الملف مثل وزارة الموارد المائية والري بمصر والتي تؤمن بحتمية التوصل لاتفاق مع دول حوض النيل،وأن استمرار التجميد ليست في مصلحة أي من الأطراف،وهو الفريق الذي يدفع في اتجاه العودة للمبادرة دون الدخول في المتاهات القانونية والسياسية التي ستعمق الخلاف بين القاهرة ودول منابع النيل. ووفقا لمسؤول فني بوزارة الموارد المائية والري تحدث لـ”المونيتور” رافضاً ذكر اسمه :”تجميد عضوية مصر في المبادرة كان له بعض الاثار السلبية منها الغياب عن الأنشطة والمشروعات، وعدم حصولها على قواعد البيانات الخاصة بمشروعات الدول المتشاطئة على النهر، فضلاً عن ترويج المبادرة لبيانات خاطئة عن الاستخدامات والاحتياجات المصرية من مياه النيل، وهو ما أفقدها منصة هامة كان يمكن من خلالها الدفاع عن المصالح المائية المصرية”. ويبدو أن إدارة الرئيس السيسي الآن تلتجأ إلى التنسيق مع بعض الدول الحليفة في منابع النيل مثل أوغندا وكينيا وجنوب السودان، لمحاولة إحداث تأثير على مواقف باقي الدول، فتقول أماني الطويل، مدير وحدة دراسات أفريقيا وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث مع المونيتور: “الإدارة السياسية تحاول إعادة ترتيب علاقتها مع دول حوض النيل، وهذه السياسية بدأت بخطوتين أولها كان الاتصال المباشر مع كينيا في 18 شباط/فبراير وأوغندا في 18 كانون الأول 2016 خلال الزيارتين الآخيرتين للرئيس عبد السيسي، والتفاعل الكبير مع إرتيريا المعروفة بخصومها مع إثيوبيا، والتنسيق مع جنوب السودان والمعروفة أيضاً بخصومها مع السودان من جهة أخرى”. ومع تباين المواقف داخل الفريق المصري الذي يدير ملف حوض النيل حول قرار العودة إلى المبادرة، تبقى عده عوامل تدفع القاهرة لسرعة اتخاذ موقف يضمن تأمين مصالحها المائية من نهر النيل، في الوقت الذي لم يُحدث فيه غياب القاهرة طيلة السبع سنوات الماضية سوى مواقف أكثر تشدداً من دول منابع النيل، فضلاً عن قرب انتهاء إثيوبيا من بناء سد النهضة الذي سيكون مصدر تهديد للأمن المائي المصري، بعد مرور ثلاث سنوات منذ مجئ الرئيس السيسي للسلطة دون التوصل لاتفاق مع إثيوبيا بشأن مسائل تخزين المياه وتشغيل السد.

موقع المونيتور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى