تفاصيل المشروع الصهيوني لاختراق مصر من 1917 حتى 2017

أكدت د. عواطف عبدالرحمن أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن الحركة الصهيونية كانت ولا تزال تملك منذ اللحظة الأولى لانطلاقها مشروعاً واضح المعالم ويتمثل فى إقامة الوطن القومى لليهود فى فلسطين، وقد نجحت فى حشد واستثمار وتعبئة طاقاتها ومواردها وعلاقاتها لتحويل هذا المشروع إلى واقع حى ولم تتردد فى الاشتباك مع أى قوة حاولت او تحاول عرقلة هذا المشروع.

وقالت إنه “فى إطار الاستراتيجية التى التزمت بها الحركة الصهيونية حرصت على تصميم عدة خطط تكتيكية تؤدى إلى تحقيق هذا المشروع الصهيونى على مراحل. وفى هذا السياق يمكن فهم دور ونشاط الحركة الصهيونية فى مصر والذى مارسته بخبث ودهاء وقدرة بارعة على الخداع طوال مسيرتها منذ مؤتمر بال 1897. وفى إطار الالتزام بهذه الاستراتيجية تمكنت الحركة الصهيونية من اختراق معظم التيارات الفكرية والسياسية فى مصر ما عدا التيارات القومية والإسلامية.

وتحت غطاء حرية الفكر والثقافة وضرورة نشر الفكر العقلانى التنويرى نجحت الصهيونية فى اختراق كل من نخبة المثقفين الليبراليين والماركسيين المصريين من خلال اقناعهم بأولوية الصراع الطبقى وتهميش الصراع القومي، وإن السبيل الوحيد في فلسطين يكمن في وحدة واستقطاب أهم التيارات الفكرية والسياسية الفاعلة على الساحة المصرية وتمكنت بالفعل من تحييد مواقفهم إزاء الصراع الفلسطيني الصهيوني حتى تم لها تحقيق حلمها التوسعي وإقامة دولتها على الأرض الفلسطينية المغتصبة”.

تناولت عبدالرحمن في كتابها “المشروع الصهيوني.. الاختراق الصهيونى لمصر من 1917 حتى 2017” الصادر عن دار العربي للنشر حقبة زمنية تجاوزت 120 عاماً تفاعل خلالها المجتمع المصري بمعطياته السياسية والثقافية والدينية مع الواقع العربي وفي قلبه المشروع القومي العربي بشقيه الفلسطيني والمصري باعتبارهما التجسيد الحي ونقطة الارتكاز الجوهرية للوجود العربي في مواجهة الكيان الصهيوني الذي يمثل جوهر المشروع الاستعماري الغربي بشقيه الأوروبي والأميركي.

أوضحت عبدالرحمن أنه “في سياق الانخراط في نهج التسوية السلمية الذي بدأ السادات في كامب ديفيد 1978 ومعاهدة السلام 1979 واستمر خلال عصر مبارك على مدى ثلاثين عاماً ولا يزال مستمراً بعد ثورة 25 يناير 2011 أود أن اؤكد على حقيقة تاريخية ساطعة تتمثل في أن الموقف المصري في مواجهة الكيان الصهيوني لم يكن نابعاً فحسب من الإيمان بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في حماية أرضه وتراثه الوطني بقدر ما استند هذا الموقف إلى الاقتناع الراسخ لدى مصر الرسمية والشعبية بخطورة تهديد الكيان الصهيوني للأمن القومي المصري.

فقد ضحت مصر بـ 150 ألف شهيد دفاعاً عن حقها في حماية حدودها وأمنها القومي ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة في حروب 1948، 1956، 1967 وحرب الاستنزاف 1969. ولا شك أن تراجع مصر عن ذلك الهدف الاستراتيجي وخروجها من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي بتوقيعها اتفاقيات الصلح والاستسلام للشروط الأميركية – الصهيونية كان له آثاره الكارثية على مجمل الأوضاع المصرية والفلسطينية والعربية. إذ فتح الباب أمام استمرار نهج التسوية والاستسلام الذي تجسد في الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني في أوسلو عام 1993 واتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية عام 1994 وأصبحت إسرائيل بمساندة أميركا تملك اليد العليا في إدارة مصير ومستقبل الصراع العربي الصهيوني.

ومن هنا حدث التحول الذى جعل مصر تواصل دورها القيادي دفاعاً عن الحقوق المصرية والعربية والفلسطينية ولكن بالمنظور الأميركي – الصهيوني، ومن خلال الاستمرار في تبني نهج التسوية المعزز والمدعم للمصالح الصهيونية والأميركية وتدشين حقبة الهيمنة الإسرائيلية”.
وتساءلت عبدالرحمن: ماذا حققت التسوية لكل من القضية الفلسطينية والأمن القومي المصري؟ وقالت إنه ينبثق من هذا السؤال عدة تساؤلات أخرى تبدأ بمصر وهل استطاعت بعد مرور 37 عاماً على اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة الصلح مع إسرائيل أن تحتفظ بسيادتها كاملة على سيناء في ظل الشروط التي نصت عليها هذه الاتفاقيات، وفي ظل الاتفاق الأمني الذي وقعته إسرائيل مع أميركا، في يناير 2009 والذي يؤكد أن مصر ليس لها سيادة كاملة على أرض سيناء ومياهها الاقليمية ومجالها الجوي؟

وبالنسبة للقضية الفلسطينية ماذا تحقق بعد مرور 23 عاماً على اتفاق أوسلو؟ لقد تجاهلت إسرائيل الحقوق الفلسطينية المقننة دولياً بما في ذلك حقهم في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة كما استبعدت أهم القضايا وأخطرها (اللاجئون – القدس – المستوطنات والحدود والسيادة) ورغم اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بوجود إسرائيل من الناحية الشرعية والقانونية، فإن إسرائيل لم توقع على أي وثيقة تعترف فيها بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره أو إقامة دولته المستقلة.

ويتوج هذه التساؤلات السؤال الأهم هل نجحت اتفاقيات التسوية التي وقعتها إسرائيل مع كل من مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن في إحلال السلام في العالم العربي أم أصبحت تمثل عقبة كبرى تعترض طريق السلام الحقيقي؟
وأكدت عبدالرحمن أن كل محاولات التسوية بدءاً من 1953 وموافقة عبدالناصر على إنجاز تسوية شاملة تقوم على أساس الشروط الواردة في قرار التقسيم، ولكنه لم يكن مستعداً لتسوية منفردة وهو ما رفضته إسرائيل تماماً ثم جاءت زيارة السادات للكنيست 1977 وانتهت بحصوله على معاهدة السلام منفردة طبقاً للشروط الإسرائيلية مما أدى إلى إحداث انشقاق خطير في الصف العربي لا تزال تداعياته المحزنة والسلبية مستمرة حتى اليوم.

كذلك كانت محصلة اتفاق أوسلو بين القيادة الفلسطينية برياسة ياسر عرفات وإسرائيل والتي تنص على إقامة دولة فلسطينية على الأراضى التي احتلتها إسرائيل 1967 في نهاية مرحلة انتقالية مدتها 5 أعوام وبدأت بما عرف (بغزة وأريحا أولاً) ونجحت إسرائيل في إفراغها من مضمونها وانتهت بغزة وأريحا أولاً وأخيراً ثم جاءت مبادرة قمة بيروت 2002 التي استهدفت التوصل إلى أسس مقبولة عربياً لتسوية شاملة وكان الرد الإسرائيلي مفحماً إذ تم محاصرة عرفات ثم تصفيته وتحويل السلطة الفلسطينية في الضفة إلى أداة للتنسيق الاستخباراتي لإجهاض المقاومة المسلحة والحيلولة دون قيام انتفاضات فلسطينية جديدة ضد الاحتلال الصهيوني. وتسعى إسرائيل جاهدة لاستغلال فترة الضعف الراهنة الشاملة عربياً وفلسطينياً للحصول على تنازلات جديدة وفرض تسوية نهائية بشروطها.

ورأت عبدالرحمن أن أبرز وأخطر التحولات الحالية هو التحول الذي طرأ على المناهج الدراسة في مراحل التعليم المصرية مستهدفاً تحسين صورة إسرائيل والتمهيد للتطبيع معها والذي لم يقتصر على المقررات بل شمل محاولات أخرى مثل دروس التاريخ العربي والإسلامي والنصوص الشرعية المتعلقة بالجهاد وبنظرة القرآن إلى بني إسرائيل.

وركزت في الدراسة الحالية على المسكوت عنه في تاريخ اليهود المصريين ضحايا الجريمة الإنسانية التي ارتكبتها الحركة الصهيونية ليس في حق الشعب الفلسطيني فحسب بل في حق هؤلاء اليهود القرائين المصريين، فقد زرعت الشك داخل المجتمع المصري وسعت إلى تدميره من الداخل بتجنيد اليهود المصريين لخدمة أهدافها التوسعية واغتصابها للوطن الفلسطيني، ولم يتوقف نشاطها منذ نهاية القرن التاسع عشر بالتغلغل داخل أوساط السياسيين والمثقفين المصريين وبث سمومها خلال قرن كامل ولذلك لا يمكن إدانة المجتمع المصري وتحميله مسئولية الجريمة التاريخية التي ارتكبتها الحركة الصهيونية ضد جميع اليهود في العالم ولم يقتصر الأمر على اليهود المصريين فهناك جماعة الناطورة كارتا المقيمين في القدس والمعادين للصهيونية والذين يتضامنون مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل استرداد حقوقه الوطنية وكذلك العديد من اليهود الشرفاء في أميركا وأوروبا وآسيا وأفريقيا.

وأشارت عبدالرحمن أنه إذا كنا حالياً نشهد أحدث حلقات تطبيق استراتيجية الخداع الصهيوني وإدعائها المزعوم بأنها ترغب العيش في سلام خلافاً لحقيقتها التي قامت على الاغتصاب والخداع إلا أن جرائمها الوحشية ضد الوطن الفلسطيني شعباً وأرضاً والتي سجلتها الهيئات الدولية لا يمكن إغفالها أو إسقاطها من الذاكرة العربية. ورغم نجاح إسرائيل في استثمار الهولوكوست وتنويع جهودها في هذا المضمار بإصدار بعض الحكومات الأوروبية قانوناً يحرم معاداة السامية ومحاولاتها الدؤوبة لتوسيع نطاق هذا القانون وفرضه على جميع الأفواه التي تجرؤ على توجيه النقد لانتهاكاتها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني إلا أنها تتجاهل عن عمد حقيقتين أساسييتين تتعلق أولاهما بأن معظم اليهود المهاجرين من أوروبا الذين يشكلون العمود الفقري للكيان الصهيوني لا ينتمون إلى الجنس السامي بل أن العرب والفلسطينيين ضحايا الصهيونية هم الساميون الحقيقيون.

والحقيقة الثانية تتعلق بروح التسامح والاحتواء التي شملت جميع اليهود الذين عاشوا وأنتجوا وازدهروا في المجتمعات العربية في مناخ تسوده الثقة والمودة مما سمح لهم بالمشاركة في كافة مجالات الحياة العربية خصوصاً مصر إذ كان منهم الوزراء والسفراء والمشاركون في صفوف الحركة الوطنية وأصدروا الصحف وكونوا الثروات واحتكروا المراكز الاقتصادية وأعطى المجتمع المصري نموذجاً ساطعاً يشهد به تاريخ اليهود في مصر، ولكننا ندفع اليوم الثمن ثمن الجريمة التي ارتكبتها أوروبا والحركة الصهيونية بترحيل المشكلة اليهودية إلى العالم العربي واختيار فلسطين تحت دعاوى توارتية كي تصبح بؤرة دامية لهذا الصراع الوجودي.

عملت عبدالرحمن في الكتاب على عدة محاور ركزت في المحور الأول على تاريخ اليهود في مصر وتصنيفاتهم الاجتماعية والطائفية والأنشطة الاقتصادية والثقافية التي قاموا بها في إطار يسوده التآلف والثقة والتواصل مع سائر القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية التي كان يضمها المجتمع المصري خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين واستمرت هذه الأوضاع حتى صدور وعد بلفور عام 1917 حيث شهدت مصر بداية الاختراق الصهيوني الذي ركز على الجوانب الدعائية والثقافية تمهيداً لتأسيس ما يسمى الوطن القومي لليهود في فلسطين، وكان موضوعاً للمحور الثاني الذي لم يقتصر على الاختراق الثقافي والإعلامي للصهيونية في مصر بل أشار إلى موقف المثقفين المصريين من النشاط الصهيونى علاوة على الدور الذي قامت به الصحافة المصرية في مواجهة ادعاءات وافتراءات الصحف الصهيونية التي كانت تصدر في مصر في تلك الفترة التي تمثل المرحلة الأولى من تفعيل المشروع الصهيوني.

أما المحور الثالث فقد ركز على الحروب بين مصر والكيان الصهيوني وموقف ثورة يوليو من المشروع الصهيوني، وقد تميزت الحقبة الناصرية 1954 – 1970 بتصاعد الوعي القومي في العالم العربي متجسداً في القيادة الناصرية واصطدام المشروع الصهوني بهذه القيادة حيث شهدت هذه الفترة سلسلة من الحروب التي شنتها إسرائيل على مصر عامي 1956 و1967 بعد نكبة ضياع فلسطين عام 1948.

وأشارت عبدالرحمن إلى أن اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام حقق الكيان الصهيوني الكثير من المكاسب تمثلت في إعادة اختراق المجتمع المصري وتفعيل اتفاقية السلام والصلح بين مصر وإسرائيل من خلال التطبيع الدبلوماسي والاقتصادي والتجاري والزراعي والثقافي بين مصر والكيان الصهيوني ولا يزال هذا الوضع مستمراً منذ ثورة 25 يناير 2011. ويتضمن هذا المحور فصلاً عن الاتفاقيات والمعاهدات بدءاً بكامب ديفيد 1978 ومعاهدة السلام المصري الإسرائيلى 1979 والدور المصري في مفاوضات أوسلو التي انتهت بتوقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. وقد شغل ذلك فضاءات المحور الرابع.

خصصت عبدالرحمن المحور الخامس للتطبيع وتداعياته المصرية والعربية شاملاً تشكيل اللجنة العليا للتطبيع ثم رصد وقائع التطبيع في المجالات السياسية والاقتصادية مع التركيز على التطبيع الزراعي وأثاره الكارثية على المحاصيل الاستراتيجية وصحة الشعب المصري علاوة على الدور الأميركي في تعميق ومساندة المصالح الصهيونية على حساب الحقوق المشروعة للشعب المصري والدور الذي قام به يوسف والي مهندس التطبيع الزراعي بين مصر والكيان الصهيوني.

كما اشتمل هذا المحور سرداً مفصلاً لوقائع التطبيع في المجال الصناعي (اتفاقية الكويز) وقطاع النفط وتصدير الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل بأسعار زهيدة ثم التطبيع الثقافي وأهدافه وآلياته وركائزه وأبرزها المركز الأكاديمي الإسرائيلي والدور الذي يقوم به في قضايا التجسس واختراق الجامعات ومراكز البحوث ومحاولاته لتهويد التاريخ المصري.

وحرصت عبدالرحمن على إبراز الدور الوطني المتميز للنقابات العمالية والمهنية في مقاومة التطبيع خصوصاً نقابة الصحفيين ونقابات المحامين والأطباء والصيادلة علاوة على اللجان التي شكلها الشعب المصري لمقاومة التطبيع وأبرزها لجنة الدفاع عن الثقافة القومية ضد الغزو الصهيوني والإمبريالي التي ضمت نخبة من المثقفين المصريين المنتمين إلى مختلف التيارات الفكرية والسياسية. وذلك في إطار الفصل المعنون “المقاطعة أولاً ثم مقاومة التطبيع”.

وتُوجت عبدالرحمن كتابها برؤية استشرافية عن مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية خلال العقد القادم في إطار ما آلت إليه المسارات المضطربة لثورات الربيع العربي من عدم تحقيق الأهداف التي طالبت بها القوى الثورية الشبابية والجماهير والنخب الثقافية خصوصاً ثورة 25 يناير التي طالبت بضرورة بناء استراتيجية مصرية جادة إزاء إسرائيل خارج نطاق معاهدة السلام خاصة أن إسرائيل قامت بدراسة مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية لسنوات طويلة وتخطط لبناء شرق أوسط جديد يتيح لها فرصة تحقيق طموحاتها التوسعية.

وقالت إن هناك اتجاها لصياغة مشروع صهيوني جديد لإعادة بناء إسرائيل على أسس جديدة تتفق مع التحولات الراهنة التي تجتاح العالم، ومن ثمّ تبرز مسئولية صناع القرار المصري في أهمية السعي الجاد إلى إعادة ومراجعة وتقييم السياسة المصرية إزاء إسرائيل. كما تبرز مسئولية الباحثين والعلماء في الاهتمام بالدراسات المستقبلية وتصميم رؤى إستشرافية لمواجهة تحديات المشروع الصهيوني ومخاطره على الوجود القومي العربي.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى