سقوط الدولة الإسلامية ونهوضها (محمد عويس)

 

محمد عويس

يتساءل نوح فيلدمان، أستاذ القانون في جامعة هارفارد والمتخصِّص في القانون والفِقه الإسلامي، في كتابه «سقوط الدولة الإسلامية ونهوضها» (الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ص 190) لماذا حين تسقط الأيديولوجيات والدول القائمة عليها على مر التاريخ فإنها لا تنهض مرة أخرى، باستثناء أيديولوجيا الدولة الإسلامية، التي انتهت مع سقوط الخلافة العثمانية وبروز الدولة القُطرية العلمانية المستبدة، ولكنها عادت مجدداً للنهوض في العقدين الأخيرين، وبتسارع أكبر بعد الربيع العربي؟
في الفصل الأول من الكتاب (أين كان مكمن الصواب؟) يشير الكاتب إلى أن الخبراء الغربيين لم يُصابوا بالدهشة من بروز حركة سياسية تدعو إلى إقامة دولة إسلامية بعدما فشلت الديكتاتوريات والملكيات في الشرق الأوسط بوجه خاص في تحقيق رفاه اقتصادي أو تفوق عسكري أو حتى حكم شرعي أساسي. ولماذا لم يؤد ذلك الواقع إلى بروز حركات سياسية داخلية تسعى إلى إقامة ديموقراطية ليبرالية مثلما حدث في أوروبا الشرقية؟
إن إضفاء الغموض على بروز رؤية سياسية إسلامية متميزة يعود إلى أنه طوال القرن العشرين كانت النظرة السائدة بين معظم الخبراء داخل العالم الإسلامي وخارجه على حدٍّ سواء، أن الدولة الإسلامية التقليدية فشلت، فالإسلام وفق هذا الرأي كان المبدأ المنظِّم للإمبراطورية العثمانية كما كان الأساس للممالك الإسلامية قبلها، وفي نهاية القرن العشرين كان واضحاً أن الدول القُطرية التي خلفتها الامبراطورية لم يكن أداؤها جيداً، وكانت علامتها المميزة للقومية واشتراكية الدولة في طريقها إلى الزوال. ويطرح السؤال نفسه: لماذا اتجه شعب محبط للوراء نحو شكل الحكم الذي كان فشله قد فتح الباب لهذا الفصل المؤسف في التاريخ الإسلامي. ووفق الكاتب، ركز أغلب المراقبين الذين انبروا للإجابة عن السؤال على تصور مفاده أن العلمانية كانت مرتبطة بفشل اشتراكية الدولة القومية، لذلك كانت هناك طوال القرن العشرين أصوات قليلة تدعو باستمرار للعودة إلى الإسلام كحل للمشكلات السياسية، ولم تلق استجابة، ولكن بدأ أُناس كُثر يسألون: لماذا لا يُمنح الإسلام فرصة؟ ويشير الكاتب إلى أن الدعوة لدولة إسلامية هي في الجوهر دعوة إلى إقامة الشريعة الإسلامية، وأن النظر إلى هذا المطلب بعناية يتيح فهم سبب انجذاب الناس في العالم الإسلامي إلى السياسة الإسلامية، إذ إن نظرتهم إلى دولهم تُريهم أن السلطة لا القانون هي التي تهيكل العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الشكل التقليدي
يتناول الفصل الثاني (الأفول والسقوط) شكل الدولة الإسلامية التقليدية في صيغتها القديمة، باعتبارها نظاماً يحتوي على مقدار من التوازن المعنوي بين السلطة السياسية من جهة وطبقة العلماء المفسرة للشرع والحامية له من جهة أخرى، لافتاً إلى مرحلة الإصلاحات العثمانية التي أقصت طبقة العلماء تحت مبرر بناء مؤسسات دستورية وتشريعية موازية، ولكنها جمدت هذه المؤسسات بعد فترة وجيزة، وهو ما أدى إلى تغوّل السلطة التنفيذية واستبدادها بشكل غير مسبوق. ويبرز هذا التغول بعد ذلك بشكل أكثر وضوحاً في الدولة العربية القُطرية العلمانية المستبدة.
ويطرح الفصل الثالث (نهوض الدولة الإسلامية الجديدة) تحليلاً لأسباب عودة فكرة «الدولة الإسلامية» ونهوضها مجدداً باعتبارها شكلاً من أشكال الرغبة في استعادة التوازن والسعي نحو العدالة، معتبراً أن دعوة الحركات الإسلامية إلى استعادة الشريعة لدورها في السياسة –وإن بصيغه حداثية– هو رد على الخلل الدستوري الناتج من إقصاء طبقة العلماء الذي جعل السلطة التنفيذية في الدولة الحديثة قوة مُستبدة غير خاضعة للرقابة.
وفي ختام هذا الفصل، يلفت الكاتب إلى أن الحكومات المُعاصرة في العالم العربي أو المُسلم إذا تمكنت من توفير عدالة سياسية أساسية لمواطنيها، فلا شك في أن جاذبية الإسلاميين ستتقلص. غير أن هناك أُفقاً قليلاً لهذه العدالة السياسية في المستقبل المنظور إذا ما استمرت السلطة التنفيذية من دون كابح في كونها النموذج الدستوري المهيمن في تلك البلدان. وما دامت السلطات التنفيذية القوية جداً تواصل الحكم بصورة ظالمة، وهو ما يعنى القول إنه ما دامت ستستمر في الحكم سيكون هناك تعطُش إلى بديل.


صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى