“غيوم بلا مطر” في مدينة المفرق الأردنية

يستذكر الكاتب سمير إسحق المقيم حالياً في أميركا مسقط رأسه؛ مدينة المفرق الأردنية، التي تربض على كتف الصحراء، وضمت بين جنباتها مواطنين أردنيين قدموا إليها من كل أنحاء الأردن، في رواية سيريّة بعنوان “غيوم بلا مطر”، صدرت مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان.

تسرد الرواية التي تقع في 142 صفحة، مرحلة من حياة شاب ينتمي إلى عائلة مسيحية تسكن المفرق، في خمسينيات القرن الماضي، يعمل ربُّها بالتجارة. الشاب كبقية أبناء جيله في تلك المرحلة، ينخرط في العمل السياسي، وتكون لديه ميول قومية، ويتأثّر بالزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر، لكن كانت تربطه صداقة مع شباب آخرين ينتمون إلى تنظيمات سياسية أخرى، ومنهم مثقفون، ومتعاطفون.

تنبني حبكة الرواية على حكاية غراميّة تتضمن سرا بين الشاب سمير والفتاة باسمة، وهي فتاة “جريئة بمواقفها العاطفيّة والاجتماعيّة ولا تخاف أحدًا، ولها مواقف سياسيّة قويّة قد لا تبوح بها على الملأ”، فـ “هناك سرّ ما في حياتها تريد أن تبوح به، ولكنها لا تستطيع الآن كشفه له”.

أما الأحداث فتدور في فترة زمنية وجيزة، قد تكون أياما، تجري فيها التحضيرات لحفل بمناسبة قدوم مولود جديد في عائلة الشاب سمير، ابن لأخته، وفي خضم تلك التحضيرات تتكشف العلاقات المختلفة بين شخصيات الرواية، ويماط اللثام عن عالمهم الثقافي والفكري، والوجداني.

وهنا يعرض الكاتب من خلال الحوارات المختلفة بين شخصيات الرواية لمختلف الأفكار السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في تلك المرحلة من الزمن.
الرواية تقدم صورة دقيقة وتفصيلية للحياة الاجتماعية والسياسية في مدينة المفرق، التي تعد نموذجا عاما كان سائدا في الأردن والمنطقة.

فتعلق الجماهير العربية بكاريزما عبدالناصر(يسميه الكاتب الرئيس المحبوب) لا يمكن إنكارها، وانتشار العواطف القومية والوطنية وسط الجماهير كان واضحا، أيضا، إلا أن الرواية تنتهي بفشل مشروع الوحدة العربية بين مصر وسوريا، ونجاح الانفصاليين بالوصول إلى السلطة في سوريا، ويظل أمل الكاتب بعودة تيار الوحدة، الذي لا يعود، ويختمها بالإشارة إلى هزيمة الدول العربية في حرب يونيو/حزيران عام 1967، وانتقال بطل الرواية للعيش في أميركا.

أجواء الرواية أجواء رومانسية، فالشاب سمير يظل متعلقا بحلم الوحدة العربية رغم كل الظلام الذي كان يحيط بالأمة العربية، والصراع العنيف مع الأنظمة العربية التي لا تؤمن بحرية الشعوب، وهو ما قاد إلى سلسلة الهزائم اللاحقة. تظل آمال الشاب سمير، على الصعيد العام، متعلقة برمز جمال عبدالناصر، وعليه يعلق الآمال بقيادة الأمة للخروج من أزماتها وتحقيق النصر والتحرر، وعلى الصعيد الخاص، تنتهي الرواية بحفل بهيج تقيمه عائلة سمير بمناسبة قدوم المولود الجديد، فضلا عن “الهدية – المفاجأة” التي تفاجئه بها حبيبته باسمة في الحفل.

الثيمة الرئيسة في الرواية يجسدها موقف محمود وهو صديق سمير منذ الطفولة، وهو الشاب المثقف، الواعي، ابن العائلة الفقيرة، إذ يقول: “كُلَّما سمعتُ صوت القطار يذكِّرني بطفولتي التَّعيسة، كنتُ أذهب إلى سكّة الحديد وحدي، وأجلس على المصطبة الإسمنتيّة أنتظرُ بشوقٍ قدوم القطار من دمشق، وعندما يصِل القطار إلى المحطّة أقفزُ من مكاني وأذهبُ بكلِّ طفولتي السّاذجة، وأدورُ على كلِّ العربات أبحثُ فيها كلِّها عن شيء افتقدتُه في حياتي. ولكن لم يكُن هناك مَن أحبُّه، فأعودُ إلى البيتِ خائبًا وأنزوي في إحدى زوايا الغرفة الوحيدة التي أعيشُ بها مع أبي، وأبقى مهمومًا إلى أنْ يعودَ أبي ويَراني على هذه الحال، فيُشفقُ عَلَيّ ويضمُّني إليه بحنان ويقول: ستتعب كثيرًا يا بنيّ.. فالانتظار صعب، والذي تبحث عنه هو في خيالكَ فقط”.

يذكر أن سمير إسحق ولد في يافا سنة 1943، نشأ في المفرق، ودرس الفلسفة وعلم النفس في جامعة دمشق لمدة سنتين. يقيم في ولاية “أريزونا” بالولايات المتحدة الأميركية حيث يمارس الأعمال الحرة. نشر نتاجه الأدبي منذ منتصف الستينيات في صحف: “الأردن”، و”عمّان المساء”، و”المنار”، و”فلسطين”، و”الجهاد”، بالإضافة إلى مجلة “الأفق الجديد”.

نال جائزة نخلة بدر للصحافة والإبداع التي تُمنَح للمبدعين من الكتّاب العرب في أميركا سنة 1997. وهو عضو في رابطة الكتّاب الأردنيين. ومن أعماله الأدبية: “غريب على نهر هدْسون”، قصص، 1988، “الرحيل”، قصص، 1989، “عذاب على الشاطئ الشرقي”، رواية، 1990، “الاعتراف”، قصص، 1992.

ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى