لنا عبدالرحمن في مدار الحكايات العربية

يتناول كتاب ”مدار الحكايات” للدكتورة لنا عبدالرحمن قراءة تحليلية نقدية لمجموعة من أهم الروايات العربية، بأسلوب سهل وبسيط يجعلك من جماله متشوقًا لقراءة الرواية الأصلية، واستشراف مواطن الجمال بها دون تعقيد أو مصطلحات نقدية رنانة، والكتاب مكون من مقدمة وثمانية وعشرين مبحثًا أو فصلًا ونحن سنتناول أهم تلك المباحث.

تتحدث المقدمة عن إنتاج الروايات العربية، وأن هناك طفرة في الكم جعلت المعروض أكثر من عدد القراء والنقاد، كما توضح أن القارئ يقبل على الرواية لولعه بأحداثها وشغفه بالحكاية والسرد والصراع بين الشخصيات بداخلها، وليس لاهتمامه بالتحليلات النقدية الخاصة بها، فهناك بون شاسع بين القارئ الجماهيري والناقد المحلل ومن القراء من يهرب عند سماعه أي مصطلح نقدي يهدف لتحليل الرواية، وتوضح المؤلفة أن تحليل العمل الأدبي يساعد على تقديم رؤية عميقة للقارئ، تمكنه من الاسترشاد بوجهة نظر متخصصة، وتسهل عليه الاقتراب من الرواية ومواطن الجمال بها دون أن تفسد عليه متعة السرد والحكاية .

كما تناولت المؤلفة فكرة الجوائز الأدبية وأثرها على ازدهار الرواية قائلة: ”لقد ضاعف حضور الجوائز الخاصة بالرواية من رغبة الكتاب في إصدار رواياتهم، ومن إقبال الجمهور العادي على قراءة روايات نالت جائزة ما، أو وصلت إلى القوائم الطويلة أو القصيرة قي إحدى الجوائز، هذه حقيقة لا تبدو موضع جدل في الساحة الأدبية، لكن في الوقت عينه لا يمكن القول إن جميع الأعمال الروائية التي وصلت لجائزة ما أنها تحظى بقراءات دقيقة لها، لتحديد مواطن قوتها وضعفها كما هو منوط بالدور الذي ينبغي للناقد أن يقوم به، بل على العكس ثمة روايات جيدة القيمة الأدبية لا نجد عنها أي مقال نقدي، ولا حتى مقال في صحيفة ورقية أو إلكترونية. ولعل الروائي الذي يتمتع بحسن الطالع هو ذاك الذي يتمكن عبر نص جيد من إيصال كتبه إلى النقاد المتخصصين والقراء العاديين في خضم هذا السيل المتدفق من الروايات.”

يتناول الكتاب رواية “عواطف وزوارها” للروائي الحبيب السالمي، ويتناول أحداث الرواية وأبطالها والصراعات بداخلها فهم عرب مقيمون بباريس لكل منهم كيانه وشخصيته، وأحلامه وطموحاته ومن خلال الحوارات والعلاقات بينهم تتكشف لنا العلاقات التبادلية أو التناقضية، بين الرجل والمرأة والفرق بين الزوجة والعشيقة والعلاقة بين الشرق والغرب، وتوضح المؤلفة أن السالمي أسلوبه “السهل الممتنع” فهو يقدم أخطر القضايا وأعقدها بأسلوب بسيط ساخر خالٍ من التعقيد يجذب القارئ ويجعله متلهفًا للمتابعة ومعرفة النهاية.

وتتناول د. لنا عبدالرحمن بالتحليل رواية “غراميات شارع الأعشى” للكاتبة السعودية بدرية البشر، وتوضح أن كلمة غراميات هنا أقرب للأمنية والاشتهاء منها للواقع الفعلي، فهي حالات عاطفية غير متحققة وغراميات مكتومة لأرواح حبيسة العادات والتقاليد، والتي تكبل كل من المرأة والرجل، وتجعل كل منهما رقيبًا على الآخر مساهمًا في وأد أحلامه ومن خلال الشخصيات والأحداث في ذلك الشارع نتعرف على أزمات المجتمع السعودي، بل والعربي كله كما تكشف الرواية عن النقلات الحضارية في المجتمع السعودي، من خلال الأجهزة الحديثة وتغير نمط العلاقات وأشكال الحب التي مازالت حبيسة رهن العادات والتقاليد، ورغم تمرد بعض الشخصيات وعدم استسلامها إلا أن الاحلام تظل منكسرة على مدار النص والنسق الاجتماعي هو الطاغي وهو الأكثر قوة.

في رواية ”ن” للكاتبة المصرية سحر الموجي، تكشف الباحثة أن النص يمضي ضمن خطين رئيسين، التراث الفرعوني والجانب الأسطوري فيه، وخط التصوف النفسي وجانبه الفلسفي وهذا يتضح من خلال الأحداث والشخصيات، توضح الصراع بين المادي الملموس والروحاني المحسوس، كما توضح الرواية أن السعادة في داخلنا وليست في ما حولنا، وأن الاستغناء أحد أسرار السعادة، وربما بالبحث في الذات أو الغوص في إحدى الهوايات تتحقق السعادة، وتوضح المؤلفة أن الصراع بين الشخصيات وصراع كل شخصية مع ذاتها هو بحث عن السعادة في حد ذاته.

• سعاد حسني
أما رواية “أرتيست” للكاتبة اللبنانية هاديا سعد فكانت محاولة إبداعية لإعادة كتابة حياة سعاد حسني، وترى المؤلفة أن سنوات الطفولة البائسة لبطلة القصة وكذلك الملامح الشخصية ثم الشهرة بعد ذلك نتيجة الجمال والموهبة،
مع تغيير بسيط في الأماكن والأحداث هو بمثابة توازي وتشابه بين بطلة القصة وبين “سعاد حسني” وترى المؤلفة أن الرواية تمتاز بأسلوب سردي به جانب مشوق من القص البوليسي، حيث الشخصيات المجهولة، والسؤال المطروح طوال القصة عن أنها بطلة القصة هي سعاد حسني أم لا ؟ ثم النهاية الغامضة، تتناول الباحثة أهم الأحداث ومواطن الجمال في الرواية وتشيد بعنصر السلاسة السردية التي ميزت كتابة هاديا سعيد.

أما رواية “كتاب النحات” للكاتب أحمد عبداللطيف، فهي رواية فلسفية تتناول فكرة الوجود والعدم وكذلك فكرة إعادة الخلق من منظور ديني أسطوري فلسفي يتداخل فيه الموروث الديني مع التراث الأسطوري الفلسفي وتحكي القصة عن نحات ينتقل لجزيرة مهجورة بأدواته “الألوان والريشة والصلصال”، ويصنع تماثيل تدب فيها الحياة. الرواية مليئة بالرموز والدلالات بدءًا من قصة آدم وحواء ومرورًا بأسطورة بجماليون اليونانية الشهيرة، وتحمل تساؤلات فلسفية عميقة عن كل تمثال دبت فيه الحياة والذي يمثل شخصية في الرواية، وفي نفس الوقت يمثل رمز ودلالة مستقاه من التراث.

وسعى الكاتب نائل الطوخي في روايته ”نساء الكرنتينا” إلى تعرية القبح وسلطة المركز والهامش، وترى المؤلفة أن الشخصيات الرئيسة في الرواية “علي وإنجي” تمثل سخرية من قصة الحب الذي يقهر الفروق الطبقية في فيلم “رد قلبي”، ومع كل حكاية لعلي وإنجي ومن خلال الصراع بين الشخصيات ثمة تكسير للثوابت وسخرية واضحة من العالم المنظم الذي تتوارى خلفه البشاعات في إطار من مقولات الحياة الثابتة واليقينية، مع نقد لاذع لها، وتشيد المؤلفة بأسلوب السرد الذي تتشابك فيه العامية مع الفصحى، والاستهتار في اللغة يوازي السخرية من ذلك العالم المتهدم الذي حاكه الكاتب على مدار النص.

ولعله من المهم أن نذكر أن كتاب مدار الحكايات تضمن قراءات متنوعة في الرواية العربية لم يكن الغرض منها كتابة نقدية موجهة لقارئ الأدب المتخصص فقط، بقدر ما قدمت هذه القراءات رؤية ثقافية فنية وكشف القيمة الجمالية للأعمال الروائية المتناولة، إلى جانب نقد الخلل البنائي القائم على الصنعة أو الافتعال في بعض الأعمال الروائية، والتوجه إلى قارئ وقع في غرام الرواية، وجذبه الدوران في مدار حكاياتها، وبريقها الساحر.

أما الأعمال التي تم تناولها فمنها : “عواطف وزوارها” للحبيب السالمي،”غراميات شارع الأعشى” لزينب حفني، “طائر أزرق نادر يحلق معي” للكاتب يوسف فاضل، رواية ”ن” للكاتبة سحر الموجي، رواية “ميس إيجيبت” للكاتبة سهير المصادفة، ”زجاج الوقت” للكاتبة هدية حسين، رواية “بستان أحمر” و”أرتيست” للكاتبة هاديا سعيد، رواية “قلب مفتوح” للكاتب عبده وازن، رواية “ليلى والثلج ولودميلا” للكاتبة كفى الزعبي، رواية “عين الشمس″ للكاتبة ابتسام تريسي، رواية ”إبرة الرعب” للكاتب هيثم حسين، رواية ”مطبخ الحب” للكاتب عبدالعزيز الراشدي، رواية “خان زاده” للكاتبة لينا كريدية، رواية “سرمدة” للكاتب فادي عزام، رواية “ذاكرة شرير” للكاتب منصور الصويم. (خدمة وكالة الصحافة العربية).

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى