إبن خلدون قائل الحقيقة..الحاضر هو ابن الماضي فإذا أردنا أن ندرك حقا لماذا انهارت الدولة الاسلامية فالتهمتها عصور الانحطاط حتى يومنا هذا فالأسباب لا تكمن فيما يحدث فيها الأن فالماضي هو الأب الحقيقي لهذا الانحطاط فكيف حدث كل هذا و كيف من الذروة إلى الحضيض.
لقد كان هذا البحث يصطدم دوما بالتفكير الغيبي الذي ساد طوال العصور الذي لعب فيه الفقهاء – ماعدا قلة منهم – دور المساند للسلطة الباغية غير أن العقل العربي المسلم استطاع أن يتحدى التفكير الغيبي كأبن رشد مثلا الذي اتهمه الفقهاء الموالون للسلطة بالكفر و التجديف حتى معاقبته بالسجن و النفي بعيدا عن بلده في الأندلس.
إن التاريخ الإسلامي منذ وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم ) باستثناء العهد الراشدي نسبيا حافل بمظاهر استخدام القوة و العنف وصولا إلى السلطة و الإحتفاظ بها و ما فعله معاوية بن أبي سفيان حين جمع الناس في المسجد بدمشق بعد مقتل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ووقف فيهم خطيبا بقوله:
( لقد كنت شرطت لكم شرطا – و يقصد بهذه الشروط إتفاقة مع الحسن ابن علي بن ابي طالب – أردت بها الإلفة و اجتماع الكلمة و صلاح الأمة و إطفاء الثائرة و الأن فقد جمع الله كلمتنا و أعز دعوتنا فكل شرط شرطته لكم فهو مردود و كل وعد وعدته أحدا فهو تحت قدمي..)
بهذه اللغة العنيفة بدأ مسلسل الخلافة طوال العصر الأموي فالعباسي و لعل المؤرخ الكبير ابن خلدون كان الوحيد بين المؤرخين الذي تجاسر على التصريح بالحقيقة حين شرح بأمانة كيفية استبدال الحكومات القائمة على القوة و القهر باسم الخلافة الدينية و الحكومة التي يحتكر فيها السلطة الحاكم – أو الخليفة – و قد اعتمد في تحليلاته على نظرية مجتمع العمران و اعتبار التحولات أو التطور عبر التغييرات في السلطة أمرا طبيعيا لكن بعيدا عن العنف و أهم ما توصل إليه من استنتاجات هو الرأي الذي مفاده أن مصيرالفكر و السياسة طول التاريخ الإسلامي كان يرتبط بشرط واحد هو : القوة و القهر – كما في مقدمته الشهيرة المنشورة في الصفحات 202 إلى الصفحة 208 و ليس صعبا اكتشاف صحة ما قاله ابن خلدون إذا ما راجعنا بدقة كل عصور التاريخ الاسلامي بدءا من العصر الأموي إلى أيامنا هذه إذ نجد أن القوةالمتطرفة كانت دوما هي الوسيلة القاهرة دونما انقطاع على الاخص بدءا من القرن الرابع الهجري.
إن الاستبداد هو الحكم الذي أساء إلى الدولة الإسلامية أكثر من أي سبب آخر كما قال ابن خلدون بأسلوبه كمؤرخ سليم الرؤية بقدر ما هو جسور على قول الحقيقة .